خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ
٤١
وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ
٤٢
وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ
٤٣
إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ
٤٤
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
٤٥
-يس

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل المدينة وابن عامر ويعقوب { ذرياتهم } على الجمع. الباقون { ذريتهم } على التوحيد.
يقول الله تعالى ممتناً على خلقه بضروب نعمه، ودالا لهم على وحدانيته بأن حمل ذريتهم في الفلك المشحون. وقيل: معنى { حملنا ذريتهم } أي قويناهم وهديناهم، كما يقول القائل: حملني فلان إذا اعطاه ما يحمل عليه او هداه إلى ما يحمل عليه. ومن جمع { ذرياتهم } فلأن كل واحد له ذرية. ومن وحد فلأنه لفظ جنس يدل على القليل والكثير، فالحمل منع الشيء أن يذهب إلى جهة السفل، يقال: حمله حملا، فهو حامل والشيء محمول. و (الذرية) فعلية من الذر. وقيل: هو مشتق من (الذرء) الذي هو الخلق. وقد بيناه في ما مضى والفلك السفن، لأنها تدور في الماء، ومنه الفلكة لأنها تدور بالمغزل والفلك لانه يدور بالنجوم، وفلك ثدي المرأة إذا استدار و { المشحون } المملؤ يقال: شحنت الثغر بالرجال أشحنه شحناً إذا ملأته، ومنه الشحنة، لانه يملأ بهم البلد، وإنما خص الذرية - وهم الصبيان والنساء - باللفظ، لأنهم لا قوة لهم على السفر كما يقوى الرجال، فسخر الله لهم السفن بما جعلها على الماء وعدل الريح ليمكن الحمل في البحر، وجعل الأبل في البر. وقال قتادة والضحاك: المعني بقوله { حملنا ذريتهم في الفلك المشحون } سفينة نوح. و { خلقنا لهم من مثله ما يركبون } قال ابن عباس، وهو قول مجاهد: ان المراد به الأبل وهي سفن البر.
وقوله { وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم } معناه إنا لو شئنا إذا حملناهم في السفن أن نغرقهم فعلنا { فلا صريخ لهم } أي لا مغيث لهم ولا صارخ بالاستغاثة قال الشاعر:

كنا إذا ما اتانا صارخ فزع كان الصراخ له قرع الطنابيب

أي لا شيء اعانته إلا الجد في نصرته، والطنبوب عظم الساق. وقيل: معنى الصريخ المعين عند الصراخ بالاستغاثة، وكأنه قال: لا معين لهم يعينهم عند ذلك { ولا هم ينقذون } أي ولا يخلصون ايضاً من الغرق إذا اردناه. وقوله { إلا رحمة منا } معناه إلا أن نرحمهم رحمة منا ونمتعهم { متاعاً } ويحتمل إلا لرحمة منا، فيكون مفعولا له، و { إلى حين } أي إلى وقت ما قدرناه لاهلاكهم وتقضي آجالهم، ونخلصهم في الحال من اهوال البحر.
وقوله { وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم } قال قتادة: معناه ما بين أيديكم من عذاب الله لمن خلا قبلكم اتقوا مثله باجتناب معاصيه { وما خلفكم } من أمر الساعة { لعلكم ترحمون } لكي ترحموا عند ذلك وحذف الجواب، كأنه إذا قيل: لهم هذا اعرضوا. وقال مجاهد: معنى { ما بين أيديكم } هو ما يأتي من الذنوب اجتنبوه في المستقبل { وما خلفكم } يعني ما مضى من ذنوبكم تلافوه بالتوة لترحموا.