خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلصَّافَّاتِ صَفَّا
١
فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجْراً
٢
فَٱلتَّٰلِيَٰتِ ذِكْراً
٣
إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ
٤
رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ
٥
إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ
٦
وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ
٧
لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ
٨
دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ
٩
إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ
١٠
-الصافات

التبيان الجامع لعلوم القرآن

ادغم ابو عمرو - إذا أدرج - التاء في الصاد، والتاء في الزاي، والتاء في الذال في قوله { والصافات صفاً فالزاجرات زجراً فالتاليات ذكراً } لقرب مخرجهما إذا كانا من كلمتين، وافقه حمزة في جميع ذلك. الباقون بالاظهار لأن قبل التاء حرفاً ساكناً، وهو الالف، لأن مخارجها متغايرة. وقرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو وابن عامر { بزينة الكواكب } ولذلك كان يجوز أن يقرأ برفع الكواكب غير أنه لم يقرأ به أحد، ولو قرئ به لجاز. وقرأ ابو بكر عن عاصم { بزينة } منوناً { الكواكب } نصباً على معنى تزييننا الكواكب. الباقون { بزينة } منوناً { الكواكب } خفضاً على البدل، وهو بدل الشيء من غيره، وهو بعينه، لأن الزينة هي الكواكب، وهو بدل المعرفة من النكرة، ومثله قوله { { لنسفعاً بالناصية ناصية } فابدل النكرة من المعرفة. وقرأ الكسائي وحمزة وخلف وحفص عن عاصم { لا يسمعون } بالتشديد، وأصله لا يتسمعون، فأدغم التاء في السين. الباقون بالتخفيف لان معنى سمعت إلى فلان وتسمعت إلى فلان واحد. وإنما يقولون تسمعت فلاناً بمعنى أدركت كلامه بغير (إلى). ومن شدّد كرّر، لئلا يشتبه. قال ابن عباس: كانوا لا يتسمعون ولا يسمعون.
هذه اقسام من الله تعالى بالأشياء التي ذكرها، وقد بينا أن له تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه، وليس لخلقه أن يحلفوا إلا بالله. وقيل إنما جاز أن يقسم تعالى بهذه الأشياء، لأنها تنبئ عن تعظيمه بما فيها من القدرة الدالة على ربها. وقال قوم: التقدير: ورب الصافات، وحذف لما ثبت من أن التعظيم بالقسم لله. وجواب القسم قوله { إن إلهكم لواحد } وقال مسروق وقتادة والسدي: إن الصافات هم الملائكة مصطفون في السماء يسبحون الله. وقيل: صفوف الملائكة في صلاتهم عند ربهم - ذكره الحسن - وقيل: هم الملائكة تصف أجنحتها في الهواء واقفة حتى يأمرها الله بما يريد، كما قال
{ { وإنا لنحن الصافون } وقال ابو عبيدة: كل شيء من السماء والأرض لم يضم قطريه فهو صاف، ومنه قوله { والطير صافات } إذا نشرت أجنحتها، والصافات جمع الجمع، لأنه جمع صافة.
وقوله { فالزاجرات زجراً } قال السدي ومجاهد: هم الملائكة يزجرون الخلق عن المعاصي زجراً يوصل الله مفهومه إلى قلوب العباد، كما يوصل مفهوم اغواء الشيطان إلى قلوبهم ليصح التكليف، وقيل: إنها تزجر السحاب في سوقها. وقال قتادة: { الزاجرات زجراً } آيات القرآن تزجر عن معاصي الله تعالى، والزجر الصرف عن الشيء لخوف الذم والعقاب، وقد يكون الصرف عن الشيء بالذم فقط على معنى انه من فعله استحق الذم.
وقوله { فالتاليات ذكراً } قيل فيه ثلاثة اقوال:
احدها - قال مجاهد والسدي: هم الملائكة تقرأ كتب الله.
وقال قتادة: هو ما يتلى في القرآن. وقال قوم: يجوز أن يكون جماعة الذين يتلون القرآن. وإنما قال { فالتاليات ذكراً } ولم يقل تلوا، كما قال { فالزاجرات زجراً } لأن التالي قد يكون بمعنى التابع تقول: تلوت فلاناً إذا تبعته بمعنى جئت بعده، ومنه قوله
{ والقمر إذا تلاها } فلما كان مشتركاً، بينه بما يزيل الابهام، وكل هذه اقسام على أن الآله الذي يستحق العبادة واحد لا شريك له. وقوله { رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق } معناه إن إلهكم الذي يستحق العبادة واحد وهو الذي خلق السموات والأرض وما بينهما من سائر الاجناس من الحيوان والنبات والجماد { ورب المشارق } ومعناه ويملك التصرف فيها، والمشارق هي مشارق الشمس، وهي مطالعها بعدد ايام السنة ثلاثمائة وستون مشرقاً وثلاثمائة وستون مغرباً، ذكره السدي.
ثم اخبر تعالى عن نفسه، فقال { إنا زينا السماء الدنيا } والتزيين التحسين للشيء وجعله صورة تميل اليها النفس، فالله تعالى زين السماء الدنيا على وجه يمتع الرائي لها، وفي ذلك النعمة على العباد مع ما لهم فيها من المنفعة بالفكر فيها والاستدلال على صانعها. والكواكب هي النجوم كالبدر والسماء بها زينة قال النابغة.

بانك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبق منهن كوكب

وقوله { وحفظاً من كل شيطان مارد } معناه وحفظناها حفظاً. والحفظ المنع من ذهاب الشيء، ومنه حفظ القرآن بالدرس المانع من ذهابه. والمارد الخارج إلى الفساد العظيم، وهو وصف للشياطين وهم المردة، واصله الانجراد، ومنه الأمرد، والمارد المتجرد من الخير، وقوله { لا يسمعون } من شدّد أراد لا يتسمعون وأدغم التاء في السين، ومن خفف أراد ايضاً لا يتسمعون في المعنى { إلى الملأ الأعلى } يعني الملائكة الذين هم في السماء وقوله { ويقذفون من كل جانب } معناه يرمون بالشهب من كل جانب إذا ارادوا الصعود إلى السماء للاستماع { دحوراً } أي دفعا لهم بعنف، يقال: دحرته دحراً ودحوراً، وانما جاز أن يريدوا استراق السمع مع علمهم بأنهم لا يصلون، وانهم يحرقون بالشهب، لانهم تارة يسلمون إذا لم يكن من الملائكة هناك شيء لا يجوز أن يقفوا عليه، وتارة يهلكون كراكب البحر في وقت يطمع في السلامة.
وقوله { ولهم عذاب واصب } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد: معناه إن لهم مع ذلك ايضاً عذاباً دائماً يوم القيامة، ومنه قوله تعالى
{ وله الدين واصباً } أي دائماً قال ابو الأسود:

لا ابتغي الحمد القليل بقاؤه يوماً بذم الدهر اجمع واصبا

اي دائما. وقوله { إلا من خطف الخطفة } لما اخبر الله تعالى أن الشياطين لا يستمعون إلى الملأ الأعلى ولا يصغون اليهم أخبر انهم متى راموا رموا من كل جانب دفعاً لهم على اشد الوجوه. ثم قال { إلا من خطف الخطفة } أي استلب السماع استلاباً، والخطفة الاستلاب بسرعة، فمتى فعل أحدهم ذلك { اتبعه شهاب ثاقب } قال قتادة: والشهاب كالعمود من نار، وثاقب مضى كأنه يثقب بضوئه يقال أثقب نارك واستثقبت النار إذا استوقدت وأضاءت، ومنه قولهم: حسب ثاقب أي مضى شريف، قال ابو الأسود:

أذاع به في الناس حتى كأنه بعلياء نار اوقدت بثقوب

أي بحيث يضئ ويعلو.