خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ
٢٦
وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ
٢٧
أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ
٢٨
كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوۤاْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
٢٩

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ يحيى عن ابي بكر { لتدبروا } بالتاء وتقديره لتتدبروا من التدبر فحذف تاء الفعل وبقي تاء المضارعة، وتقديره: لتتدبر انت يا محمد والمسلمون ومن قرأ بالياء، فعلى ليتدبر المسلمون فيتقرر عندهم صحتها وتسكن أنفسهم إلى العلم بها.
لما اخبر الله تعالى عن داود انه رجع اليه وتاب واستغفر ربه عن التقصير الذي وقع منه في الحكم، وانه تعالى غفر له ذلك وأجاب دعوته، ووعده بالزلفى عنده والقربة من ثوابه ناداه ايضاً فقال له { يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض } والخليفة هو المدبر للامور من قبل غيره بدلا من تدبيره، فداود لما جعل الله اليه تدبير الخلق فكان بذلك خليفة، ولذلك يقال: فلان خليفة الله في أرضه إذا جعل اليه تدبير عباده بأمره. وقيل: معناه جعلناك خليفة لمن كان قبلك من رسلنا. ثم أمره فقال { فاحكم بين الناس } ومعناه افصل بين المختلفين من الناس والمتنازعين { بالحق } بوضع الاشياء مواضعها على ما أمرك الله { ولا تتبع الهوى } أي ما يميل طبعك اليه ويدعوك هواك اليه إذا كان مخالفاً للحق، فلا تمل اليه { فيضلك عن سبيل الله } ومعناه انك متى اتبعت الهوى في ذلك عدل بك الهوى عن سبيل الله الذي هو سبيل الحق.
ثم اخبر تعالى { إن الذين يضلون عن سبيل الله } يعني يعدلون عن العمل بما أمرهم الله به { لهم عذاب شديد } يعني شديد ألمه { بما نسوا يوم الحساب } وقيل في معناه قولان:
احدهما - لهم عذاب شديد يوم الحساب بما تركوا طاعاته في الدنيا، فعلى هذا يكون يوم الحساب متعلقاً بـ { عذاب شديد } وهو قول عكرمة والسدي:
الثاني - قال الحسن { لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب } أي بما اعرضوا عنه، صاروا بمنزلة الناسي، فيكون على هذا العامل في { يوم } قوله { نسوا }.
ثم اخبر تعالى انه لم يخلق السماء والأرض وما بينهما باطلا، بل خلقهما وما بينهما بالحق لغرض حكمي، وهو ما في ذلك من إظهار الحكمة وتعريض انواع الحيوان للمنافع الجليلة وتعويض العقلاء لمنافع الثواب، وذلك يفسد قول المجبرة الذين قالوا: إن كل باطل وضلال من فعل الله. وقوله { ذلك ظن الذين كفروا } معناه إن خلق السماء والارض وما بينهما باطلا ظن من يكفر بالله ويجحد وحدانيته وحكمته، ثم توعد من هذه صفته فقال { فويل للذين كفروا من النار } ثم قال على وجه التوبيخ والتقريع للكفار بلفظ الاستفهام { أم نجعل الذين آمنوا... } معناه هل نجعل الذين صدقوا بالله وأقروا برسله وعملوا الصالحات مثل الذين أفسدوا في الارض وعملوا بالمعاصي؟! ام هل نجعل الذين اتقوا معاصي الله خوفاً من عقابه كالفجار الذين عملوا بمعاصيه وتركوا طاعته؟! فهذا لا يكون ابداً. وكيف يكون كذلك وهؤلاء يستحقون الثواب بطاعتهم وأولئك يستحقون العقاب بمعاصيهم. وقال ابو عبيدة: ليس لها جواب استفهام فخرجت مخرج الوعيد. وقال الزجاج: تقديره، أنجعل الذين آمنوا وعموا الصالحات كالمفسدين في الارض أم نجعل المتقين كالفجار، فهو استفهام بمعنى التقرير.
ثم خاطب نبيه صلى الله عليه وآله فقال { كتاب أنزلناه إليك مبارك } أي هذا كتاب انزلناه، يعني القرآن الذي أنزله الله عليه، ووصفه بأنه مبارك، لان به يستديم الناس ما أنعم الله عليهم به، وبين أن غرضه تعالى بانزال هذا القرآن { ليدبروا آياته } بأن يتفكروا في أدلته { وليتذكر أولو الألباب } يعني أولو العقول.
وفي الآية دلالة على بطلان مذهب المجبرة في خلق القبائح من حيث بين الله انه يعاقبهم جزاء بما نسوا طاعاته في الدنيا.
وقوله { ذلك ظن الذين كفروا } يدل على فساد قول من يقول: ان المعارف ضرورة، لانهم لو كانوا عارفين ضرورة لما كانوا ظانين.