خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَأَذَاقَهُمُ ٱللَّهُ ٱلْخِزْيَ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٢٦
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
٢٧
قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
٢٨
ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ٱلْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٢٩
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ
٣٠
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ
٣١
-الزمر

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قال المبرد العرب تقول لكل شيء يصل اليك بجارحة من الجوارح: ذق أي يصل معرفته اليك، كما يصل اليك معرفة ما تذوقه بلسانك من حلو ومرّ ومنه قوله { { فذاقوا وبال أمرهم } وقوله { { ذق إنك أنت العزيز الكريم } والخزي هو المكروه والهوان، وخزي فلان إذا وقع في المكروه، فالخزي افراط الاستحيا، يقال ما استحيا وما تخزى، ورأيته خزيان نادماً، قال الشاعر:

ولا أنت دياني فتخزوني

قرأ ابن كثير، وابو عمرو، ويعقوب { ورجلا سالماً } على وزن (فاعل) معناه خالصاً لا يشركه فيه غيره لأن الله تعالى ضرب مثلا للمؤمن والكافر، فشبه الكافر بشركاء متنازعين مختلفين، والمؤمن من عبد إلهاً واحداً. الباقون { سلما لرجل } على المصدر من قولهم: سلم فلان لله سلماً بمعنى خلص له خلوصاً، كما يقولون: ربح الرجل في تجارته ربحاً وربحاً: وسلم سلماً وسلماً وسلامة، وتقديره ذا سلم، فمعنى "أذاقهم الله" أي جعلهم يدركون الألم، كما يدرك الذائق الطعام، والخزي الذل الذي يستحيا من مثله بما فيه من الفضيحة، وخزيهم في الحياة الدنيا هو ما فعله بهم من العذاب العاجل من إهلاكهم واستئصالهم الذي يبقى ذكره على الأبد. ثم قال تعالى { ولعذاب الآخرة أكبر } مما فعل بهم في دار الدنيا { لو كانوا يعلمون } صدق ما اخبرنا به.
ثم اقسم تعالى بأن قال { ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون } فالتذكر طلب الذكر بالفكر، وهذا حث على طلب الذكر المؤدي إلى العلم، والمعنى لكي يتذكروا، ويتعظوا فيجتنبوا ما فعل من تقدم من الكفر والمعاصي، لئلا يحلّ بهم كما حل بأولئك. وقوله { قرآناً عربياً } أي انزلناه قرآناً عربياً غير ذي عوج أي غير ذي ميل عن الحق بل هو مستقيم موصل إلى الحق، ويقال في الكلام عِوج - بكسر العين - إذا عدل به عن جهة الصواب. والمثل علم شبه به حال الثاني بالاول. والمثال مقياس يحتذى عليه، وإنما قال: ضربنا مثلا واحداً، ولم يقل مثلين، لأنهما جميعاً ضربا مثلا واحداً، ومثله قوله تعالى
{ { وجعلنا ابن مريم وأمه آية } ولو ثني لكان حسناً - في قول الفراء - وقوله { لعلهم يتقون } معناه لكي يتقوا معاصي الله خوفاً من عقابه.
ثم قال تعالى { ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون } فالتشاكس التمانع والتنازع، تشاكسوا في الأمر تشاكساً، وفي الشركاء تشاكس في البيع، وتدبير المملوك ونحو ذلك { ورجلا سلماً لرجل } فضرب المثل للموحد بعبادته الله تعالى وحده - عز وجل - والمشرك بعبادته غير الله - في قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد - { هل يستويان مثلا } في حسن الحال، لا يستويان لأن الخالص لمالك واحد يستحق من معونته وحياطته ما لا يستحقه صاحب الشركاء المختلفين في امره.
ثم قال { الحمد لله } يعني المستحق للشكر والثناء على الحقيقية هو الله تعالى { بل أكثرهم لا يعلمون } حقيقة، لجهلهم بالله ومواضع نعمه. ثم قال لنبيه { إنك } يا محمد { ميت } أي عاقبتك الموت، وكذلك هؤلاء لأن
{ { كل نفس ذائقة الموت } { ثم إنكم } يبعثكم الله { يوم القيامة } ويحشركم يوم القيامة فتختصمون عند الله. ومعناه كل طائفة منكم ترد على صاحبتها يوم القيامة وتخاصمها، فالاختصام رد كل واحد من الاثنين ما اتى به الآخر على وجه الانكار عليه. وقد يكون احدهما - محقاً والآخر مبطلا كالموحد والملحد. وقد يكونان جميعاً مبطلين كاختصام اليهودي والنصراني، وقد يكونان جميعاً محقين إذا قطع كل واحد منهما على صواب اعتقاده دون غيره، ويكون اختصامهم في الآخرة بذم رؤساء الضلالة في ما دعوهم اليه ودفع اولئك عن أنفسهم، فيقول الاولون: لولا أنتم لكنا مؤمنين ويقول الرؤساء ما كان لنا عليكم من سلطان إلا أن دعوناكم فاستجبتم لنا. واقبل بعضهم على بعض يتلاومون. وقال ابن زيد: الاختصام يكون بين المؤمنين والكافرين. وقال ابن عباس: يكون بين المهتدين والضالين: والصادقين والكاذبين وقال ابو العالية: يكون بين أهل القبلة. ورجل مشكس إذا كان سيء الخلق. وقال السدي: هذا مثل ضربه الله لأوثانهم. وقال قتادة: هذا للمشرك تنازعه الشياطين مغريين بعضهم ببعض { ورجلا سالماً } وهو المؤمن أخلص الدعوة لله والعبادة، وقال ابو عبيدة: متشاكسون الرجل الشكس ورجلا سالماً الرجل الصالح. وقال ابو عمرو: معناه خالصاً لله. وقال ابو علي: رجلا فيه شركاء يعني في إتباعه أو في شيعته.