خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٦١
ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
٦٢
لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـآيَاتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
٦٣
قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَاهِلُونَ
٦٤
وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ
٦٥
بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ
٦٦
-الزمر

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ روح { وينجي الله } بالتخفيف. الباقون بالتشديد. وقرأ ابن كثير { تأمروني أعبد } مشددة النون مفتوح الياء. وقرأ نافع وابن عامر في رواية الداجوني خفيفة النون. وفتح الياء نافع، ولم يفتحها ابن عامر. وقرأ ابن عامر في غير رواية الداجوني { تأمرونني } بنونين. الباقون مشددة النون ساكنة الياء. وقرأ اهل الكوفة إلا حفصاً { بمفازاتهم } جماعة. الباقون { بمفازتهم } على واحدة. فمن وحده قال: هو بمنزلة السعادة والنجاة، كما قال الله تعالى { { بمفازة من العذاب } وقال قوم المفازة الصحراء، فهي مهلكة وتسمى مفازة تفاؤلا، كما قالوا - لمعوج الرجلين - احنف، وللحبشي ابو البيضاء. وقال ابن الاعرابي: ليست مقلوبة بل المفازة المهلكة، يقولون: فوز الرجل إذا هلك ومات. ومن قرأ { تأمرونني } فلأنه الأصل. ومن شدد أدغم احدى النونين في الأخرى. ومن خفف حذف احدى النونين، كما قال الشاعر:

تراه كالثغام يعل مسكا بسوء الغانيا إذا قليني

أراد قلينني فحذف. لما اخبر الله تعالى عن حال الكفار وأن الله يحشرهم يوم القيامة مسودة وجوههم، وأن مقامهم في جهنم، اخبر انه ينجي الذين اتقوا معاصي الله خوفاً من عقابه، ويخلصهم. وقوله { بمفازتهم } بمنجاتهم من النار بطاعاتهم التي أطاعوا الله بها. واصل المفازة المنجاة، وبه سميت الفلاة مفازة على وجه التفاؤل بالنجاة منها، كما سموا اللديغ سليما. ومن وحد فلأنه اسم جنس او مصدر يقع على القليل والكثير. ومن جمع أراد تخلصهم من مواضع كثيرة فيها هلاك الكفار وانواع عذابهم.
وقوله { لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون } معناه إن هؤلاء المؤمنين الذين يخلصهم الله من عقاب الآخرة وأهوالها لا يمسهم عذاب أصلا، ولا هم يغتمون على وجه. وقوله { لا يمسهم السوء } معناه نفياً عاماً لسائر انواع العذاب، والعموم في قوله { ولا هم يحزنون } فيه تأكيد له، وقيل: لئلا يظن ظان انه لما لم يمسهم العذاب جاز أن يمسهم بعض الغم، ففي ذلك تفصيل واضح يزيل الشبهة.
ثم اخبر تعالى انه خلق كل شيء، ومعناه انه يقدر على كل شيء، { وهو على كل شيء وكيل } أي له التصرف في ما يريد حافظ له، وإن حملنا معنى الخلق على الاحداث، فالمراد به { خالق كل شيء } من مقدوراته من الأجسام والاعراض. وقوله { له مقاليد السماوات والأرض } والمقاليد المفاتيح واحده (مقليد) كقولك: منديل ومناديل، ويقال فى واحده ايضاً (إقليد) وجمعه (أقاليد) وهو من التقليد، والمعنى له مفاتيح خزائن السموات والارض يفتح الرزق على من يشاء ويغلقه عمن يشاء. وقوله { والذين كفروا بآيات الله } يعني كفروا بآياته من مقاليد السموات والارض وغيرها وقوله { أولئك هم الخاسرون } يعني هؤلاء الذين كفروا بأدلة الله وحججه { هم الخاسرون }، لانهم يخسرون الجنة ونعيمها ويحصلون في النار وسعيرها.
وقوله { قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون } أمر للنبي صلى الله عليه وآله ان يقول لهؤلاء الكفار تأمروني أيها الكفار ان اعبد الاصنام من دون الله ايها الجاهلون بالله وبآياته؟! والعامل في قوله { أفغير } على احد وجهين:
احدهما - ان يكون { تأمروني } اعتراضاً، فيكون التقدير: أفغير الله اعبد ايها الجاهلون في ما تأمروني.
الثاني - ان لا يكون اعتراضاً ويكون تقديره: اتأمروني اعبد غير الله ايها الجاهلون في ما تأمروني فاذا جعلت { تأمروني } اعتراضاً، فلا موضع لقوله { أعبد } من الاعراب، لانه على تقدير اعبد ايها الجاهلون، وإذا لم تجعله اعتراضاً يكون موضعه نصباً على الحال، وتقديره اتأمروني عابداً غير الله، فمخرجه مخرج الحال ومعناه ان اعبد، كما قال طرفة:

ألا ايهذا الزاجري احضر الوغا وأن اشهد اللذات هل انت مخلد

أي الزاجر أن احضر، وحذف (أن) ثم جعل الفعل على طريقة الحال.
ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله { ولقد أوحي إليك } يا محمد { وإلى الذين من قبلك } من الأنبياء والرسل { لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } لثواب الله. وقال قوم: فيه تقديم وتأخير وتقديره: ولقد أوحي اليك لئن اشركت ليحبط عملك، وإلى الذين من قبلك مثل ذلك. وقال آخرون: هذا مما اجتزىء بأحد الخبرين عن الآخر، كما يقول القائل: لقد قيل لزيد وعمرو ليذهبن، ومعناه لقد قيل لزيد: ليذهبن وعمرو ليذهبن فاستغني بقوله وعمرو عن ان يقال ليذهبن بما صار لزيد.
وليس في ذلك ما يدل على صحة الاحباط على ما يقوله اصحاب الوعيد، لان المعنى في ذلك لئن اشركت بعبادة الله غيره من الاصنام لوقعت عبادتك على وجه لا يستحق عليها الثواب، ولو كانت العبادة خالصة لوجهه لاستحق عليها الثواب، فلذلك وصفها بأنها محبطة، وبين ذلك بقوله { بل الله فاعبد } أي وجه عبادتك اليه تعالى وحده دون الأصنام ودون كل وثن { تكن من الشاكرين } الذين يشكرون الله على نعمه ويخلصون العبادة له. ونصب قوله { بل الله } بفعل فسره قوله { فاعبد } وتقديره اعبد الله فاعبد وقال الزجاج: هو نصب بقوله { فاعبد } وتقديره قد بلغت فاعبد الله وقال المبرد: ومعنى { ليحبطن } ليفسدن يقولون: حبط بطنه إذا فسد من داء معروف.