خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
١
-النساء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

القراءة والحجة:
قرأ أهل الكوفة { تساءلون به } بتخفيف السين، الباقون بتشديدها، وقرأ حمزة وحده { والأرحام } بجر الميم، الباقون بفتحها. فمن قرأ من أهل الكوفة { تساءلون به } بالتخفيف فوجهه ان أصله تتساءلون، فحذف احدى التاءين وهي الاصلية، لأن الاخرى للمضارعة، وانما حذفوها لاستثقالهم إياها في اللفظ فحذفت لأن الكلام غير ملتبس. ومن شدد أدغم احدى التاءين في السين، لقرب مكان هذه من هذه.
المعنى:
ومعنى { تساءلون به } تطلبون حقوقكم به { والأرحام } القراءة المختارة عند النحويين النصب في الارحام على تقدير: واتقوا الارحام. وتكون معطوفة على موضع { به } ذكره أبو علي الفارسي، فأما الخفض فلا يجوز عندهم إلا في ضرورة الشعر كما قال الشاعر أنشده سيبويه:

فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا فاذهب فما بك والايام من عجب

فجرّوا الايام عطفاً على موضع الكاف في "بك" وقال آخر:

نعلق في مثل السواري سيوفنا وما بينها والكعب غوط نفانف

فعطف الكعب على الهاء والالف في (بينها) وهو ظاهر على مكنى وقال آخر:

وان الله يعلمني ووهباً وانا سوف نلقاه سوانا

فعطف وهباً على الياء في يعلمني، ومثل ذلك لا يجوز في القرآن والكلام. قال المازني: لأن الثاني في العطف شريك للأول، فان كان الأول يصلح أن يكون شريكا للثاني جاز وإن لم يصلح أن يكون الثاني شريكا له لم يجز، قال: فكما لا تقول: مررت بزيد وذاك لا تقول مررت بك وزيد. وقال أبو علي الفارسي: لأن المخفوض حرف متصل غير منفصل فكأنه كالتنوين في الاسم فقبح أن يعطف باسم يقوم بنفسه على اسم لا يقوم بنفسه. ويفسد من جهة المعنى من حيث ان اليمين بالرحم لا يجوز، لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "لا تحلفوا بآبائكم" فكيف تساءلون به وبالرحم على هذا وقال اسماعيل بن اسحاق: الحلف بغير الله أمر عظيم، وان ذلك خاص لله تعالى، وهو المروي في أخبارنا. وقال ابراهيم النخعي وغيره: انه من قولهم: نشدتك بالله وبالرحم. وقال ابن عباس، والسدي، وعكرمة، والحسن، والربيع، والضحاك، وابن جريج، وابن زيد، وقتادة: المعنى والارحام فصلوها. وهذه الآية خطاب لجميع المكلفين من البشر.
وقوله: { واتقوا ربكم } فيه وعظ بان يتقى عصيانه بترك ما أمر به وارتكاب ما نهى عنه. وحذر من قطع الارحام لما أراد من الوصية بالاولاد والنساء والضعفاء، فأعلمهم انهم جميعاً من نفس واحدة، فيكون ذلك داعياً لهم إلى لزوم أمره وحدوده في ورثتهم ومن يخلفون بعدهم، وفي النساء والأيتام عطفاً لهم عليهم. ثم اخبر تعالى انه خلق الخلق من نفس واحدة فقال: { الذي خلقكم من نفس واحدة } والمراد بالنفس ها هنا آدم عند جميع المفسرين: السدي وقتادة ومجاهد وغيرهم. وقوله: { وخلق منها زوجها } يعني حوّاء. روي انها خلقت من ضلع من أضلاع آدم، ذهب إليه أكثر المفسرين. وقال أبو جعفر (ع): خلقها من فضل الطينة التي خلق منها آدم، ولفظ النفس مؤنث بالصيغة، ومعناه التذكير ها هنا، ولو قيل نفس واحد لجاز.
المعنى، واللغة:
وقوله: { وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء } معنى بث نشر، يقال: بث الله الخلق. ومنه قوله:
{ { كالفراش المبثوث } وذلك يدل على بث. وبعض العرب يقول أبث الله الخلق، ويقال بثثتك سري، وابثثتك سري لغتان.
وقوله: { إن الله كان عليكم رقيباً } أي حافظاً تقول رقب يرقب رقاباً وانما قال: { كان عليكم } ولفظ كان يفيد الماضي لأنه أراد أنه كان حفيظاً على من تقدم زمانه من عهد آدم وولده إلى زمان المخاطبين، وانه كان عالماً بما صدر منهم، لم يخف عليه منه شيء. والرقيب الحافظ في قول مجاهد. وقال ابن زيد: الرقيب العالم، والمعنى متقارب، يقال: رقب يرقب رقوباً ورقباً ورقبة. قال أبو داود:

كمقاعد الرقباء للضرباء أيديهم نواهد

وقيل في معنى { الذي تسألون به } قولان:
أحدهما - قال الحسن ومجاهد وابراهيم: هو من قولهم: اسألك بالله والرحم، فعلى هذا يكون عطفاً على موضع به كأنه قال: وتذكرون الارحام في التساؤل.
الثاني - قال ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاك والربيع وابن زيد وهو المروي عن أبي جعفر (ع): واتقوا الارحام أن تقطعوها، فعلى هذا يكون معطوفا على اسم الله تعالى، ووجه النعمة في الخلق من نفس واحدة انه أقرب إلى أن يتعطفوا ويأمن بعضهم بعضاً ويحامي بعضهم عن بعض، ولا يأنف بعضهم عن بعض، لما بينهم من القرابة والرجوع إلى نفس واحدة، لأن النفس الواحدة ها هنا آدم (ع) باجماع المفسرين: الحسن وقتادة والسدي ومجاهد. وجاز من نفس واحدة لأن حواء من آدم على ما بيناه، فرجع الجميع إلى آدم وانما أنث النفس والمراد بها آدم لأن لفظ النفس مؤنثة، وان عني بها مذكر كما قال الشاعر:

أبوك خليفة ولدته أخرى وأنت خليفة ذاك الكمال

فانث على اللفظ، وقد حكينا عن أكثر المفسرين: ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة والسدي وابن اسحاق: ان حواء خلقت من ضلع من أضلاع آدم. وروي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) انه قال: "المرأة خلقت من ضلع، وانك ان أردت أن تقيمها كسرتها وان تركتها وفيها عوج استمعت بها" . وروي عن أبي جعفر (ع) أن حوّاء خلقت من فضل طينة آدم (ع).