خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١٣
وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ
١٤
-النساء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

القراءة، والحجة:
قرأ نافع، وابن عامر: ندخله بالنون في الموضعين، الباقون بالياء، فمن قرأ بالياء فلأن ما تقدم لفظ الغائب ومن قرأ بالنون عدل عن خطاب الغائب إلى الاخبار عن الله بنون العظمة، كما قال:
{ بل الله مولاكم } وقال بعده: "سنلقي" فعدل عن الغائب.
المعنى، والاعراب:
قال الفراء، والزجاج: معنى { تلك } هذه، كأنه قال هذه حدود الله واختلفوا في معنى الحدود، فقال السدي: تلك شروط الله، وقال ابن عباس: تلك طاعة الله، وقال قوم: تلك فرائض الله وأمره، وقال قوم: تلك تفصيلات الله لفرائضه، وهو الأقوى، لأن أصل الحد هو الفصل، مأخوذاً من حدود الدار التي تفصلها من غيرها، فمعنى الآية: هذه القسمة التي قسمها الله لكم، والفرائض التي فرضها لأحيائكم من أمواتكم حدود الله، يعني فصول بين طاعة الله ومعصيته على ما قال ابن عباس، والمعنى تلك حدود طاعة الله، وانما اختص لوضوح المعنى للمخاطبين.
فان قيل: إذا كان ما تقدم ذكره دل على أنها حدود الله، فما الفائدة في هذا القول؟ قلنا عنه جوابان:
أحدهما - للتأكيد، والثاني - أن الوجه في إعادته ما علق به من الوعد والوعيد الصريح.
فان قيل: لم خصت الطاعة في قسمة الميراث بالوعد، مع أنه واجب في كل طاعة إذا فعلت لوجه الوجوب؟ قلنا: للبيان عن عظم موقع هذه الطاعة، مع التذكير بما يستحق عليها ترغيباً فيها بوعد مقطوع. وقوله: { يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها } نصب على الحال. قال الزجاج والتقدير: يدخلهم مقدرين الخلود فيها، والحال يستقبل فيها، كما تقول: مررت برجل معه باز، صائداً به غدا، أي يقدِّر الصيد به غدا. وقوله: { وذلك الفوز العظيم } معناه الفلاح العظيم، فوصفه بأنه عظيم ولم يبين بالاضافة إلى ماذا، لأن المراد به أنه عظيم بالاضافة إلى منفعة الخيانة في التركة، من حيث كان أمر الدنيا حقيراً بالاضافة إلى أمر الآخرة. وقوله: { ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده } معناه يعصي الله فيما بينه من الفرائض، وأموال اليتامى، { ويتعد } معناه: يتجاوز ما بين له، { يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين } وخالداً نصب على أحد وجهين:
أحدهما - أن يكون حالا من الهاء في يدخله.
والآخر - أن يكون صفة لنار في قول الزجاج، كقولك: زيد مررت بدار ساكن فيها، على حذف الضمير، والتقدير: ساكن هو فيها، لأن إسم الفاعل إذا جرى على غير من هو له لم يتضمن الضمير كما يتضمنه الفعل لو قلت: يسكن فيها. واستدلت المعتزلة بهذه الآية على أن فاسق أهل الصلاة مخلد في النار، ومعاقب لا محالة، وهذا لا دلالة لهم فيه من وجوه، لأن قوله: { ويتعد حدوده } إشارة إلى من يتعدى جميع حدود الله، ومن كان كذلك فعندنا يكون كافراً، وأيضاً فلا خلاف أن الآية مخصوصة بصاحب الصغيرة، وإن كان فعل المعصية، وتعدى حداً فانه خارج منها، فان جاز لهم إخراج الصغيرة منها لدليل، جاز لنا أن نخرج من يتفضل الله عليه بالعفو، أو يشفع فيه النبي (صلى الله عليه وسلم). وأيضاً فان التائب لا بد من إخراجه من هذه الآية لقيام الدلالة على وجوب قبول التوبة، فكذلك يجب أن يشترط من يتفضل الله باسقاط عقابه، فان قالوا: قبول التوبة واجب، والعفو ليس بواجب، قلنا: قبول التوبة واجب إذا حصلت، وكذلك سقوط العقاب واجب إذا حصل العفو، فان قالوا: يجوز أن لا يختار الله العفو، قلنا: وكذلك يجوز ألا يختار العاصي التوبة، فان جعلوا الآية دالة على أن الله لا يختار العفو، جاز لغيرهم أن يجعل الآية دالة على أن العاصي لا يختار التوبة، على أن هذه الآية معارضة بآيات كثيرة، في وقوع العفو، كقوله:
{ { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } على ما سنبينه فيما بعد. وقوله: { { إن الله يغفر الذنوب جميعاً } وقوله: { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم } فان شرطوا في آياتنا التوبة، شرطنا في آياتهم إرتفاع العفو، والكلام في ذلك مستقصىً في الوعيد، لا نطول بذكره هذا الكتاب. ويمكن - مع تسليم ذلك - أن تحمل الآية على من يتعدى الحدود مستحلا لها، فانه يكون كافراً، ويتناوله الوعيد، على أن عند كثير من المرجئة العموم لا صيغة له، فمن أين ان "من" يفيد جميع العصاة؟ وما المنكر أن تكون الآية مختصة بالكفار.