قيل في معنى دخول (لا) في أول الكلام قولان:
أحدهما - أنها رد لكلام. كأنه قيل لا الامر كما يزعمون من الايمان وهم على تلك الحال من الخلاف، ثم استؤنف قوله: { وربك لا يؤمنون حتى.. }.
الثاني - انها توطئة للنفي الذي يأتي فيما بعد، لأنه إذا ذكر في أول الكلام وآخره كان أوكد وأحسن، لأن النفي له صدر الكلام. وقد اقتضى القسم أن يذكر في الجواب.
النزول:
وقيل في سبب نزول هذه الآية قولان:
أحدهما - أنها نزلت في الزبير ورجل من الانصار تخاصما إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) في سراح من الحرة كانا يسقيان منه نخلا لهما، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) " اسق يا زبير ثم ارسل إلى جارك" ، فغضب الانصاري، وقال: يا رسول الله ان كان ابن عمتك؟! فتلون وجه رسول الله حتى عرف ان قد ساءه، ثم قال "يا زبير احبس الماء إلى الجدد أو إلى الكعبين، ثم خل سبيل الماء" ، فنزلت الآية. وقال أبو جعفر (ع) كانت الخصوصة بين الزبير، وحاطب بن أبي بلتعة روي ذلك عن الزبير وأم سلمة. وذهب إليه عمر بن شبه، والواقدي. وقال قوم وهو اختيار الطبري: إنها نزلت في المنافق واليهودي اللذين احتكما إلى الطاغوت. قال: لأن سياق الكلام بهذا أشبه.
اللغة والمعنى:
وقوله: { فيما شجر بينهم } معناه فيما وقع بينهم من الاختلاف. تقول شجر يشجر شجراً وشجوراً وشاجره في الأمر: إذا نازعه فيه مشاجرة، وشجاراً وتشاجروا فيه: تشاحوا. وكل ذلك لتداخل كلام بعضهم في بعض كتداخل الشجر بالتفافه. وفي الآية دلالة على فساد مذهب المجبرة، لأنه إذا وجب الرضى بفعل النبي (صلى الله عليه وسلم) فالرضا بفعل الله تعالى أولى، ولو كان خلق الكفر والمعاصي لوجب على الخلق الرضا به. وذلك خلاف الاجماع. وقيل في معنى الحرج قولان:
أحدهما - قال مجاهد هو الشك. وقال الضحاك: الاثم. وأصل الحرج الضيق فكأنه قال ضيق شك أو اثم وكلاهما يضيق الصدر. ومعنى الآية أن هؤلاء المنافقين لا يؤمنون حتى يحكموا النبي (صلى الله عليه وسلم) فيما وقع بينهم من الاختلاف، ثم لا يجدوا حرجاً مما قضى به أي لا تضيق صدورهم به، ويسلموا لما يحكم به لا يعارضونه بشيء فحينئذ يكونون مؤمنين. و { تسليماً } مصدر مؤكد والمصادر المؤكدة بمنزلة ذكرك للفعل ثانياً كأنك قلت: سلمت تسليماً ومن حق التوكيد أن يكون محققاً لما تذكره في صدر كلامك، فاذا قلت: ضربت ضرباً، فمعناه أحدثت ضرباً احقه حقاً ولا أشك فيه. ومثله في الآية انهم يسلمون من غير شك يدخلهم فيه. وقال أبو جعفر (ع): لما حكم النبي (صلى الله عليه وسلم) للزبير على خصمه، لوى شدقه وقال لمن سأله عمن حكم له، فقال: لمن يقضي؟ لابن عمته. فتعجب اليهودي وقال: إنا آمنا بموسى فأذنبنا ذنباً فأمرنا الله تعالى بأن نقتل أنفسنا، فقتلناها فأجلت عن سبعين ألف قتيل. وهؤلاء يقرون بمحمد (صلى الله عليه وسلم) ويطؤون عقبه ولا يرضون بقضيته، فقال ثابت بن الشماس لو أمرني الله أن أقتل نفسي لقتلتها فأنزل الله { ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم.. } إلى قوله: { إلا قليل منهم } يعني ابن الشماس ذكره السدي.