خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً
٨٨
-النساء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

المعنى والنزول:
خاطب الله تعالى بهذه الآية المؤمنين. فقال: ما شأنكم أيها المؤمنون في أهل النفاق فرقتين مختلفتين { والله أركسهم بما كسبوا } يعني بذلك والله ردهم إلى أحكام أهل الشرك في اباحة دمائهم، وسبي ذراريهم { بما كسبوا } يعني بما كذبوا الله ورسوله، وكفروا بعد إسلامهم. والاركاس. الرد. ومنه قول أمية بن أبي الصلت:

فاركسوا في حميم النار انهم كانوا عصاة وقالوا الافك والزورا

قال الفراء: يقال منه أركسهم، وركسهم وقد ذكر أنها في قراءة عبد الله وأبي { والله ركسهم } بغير الف. وفيمن نزلت هذه الآية قيل فيه خمسة أقوال:
أحدها - قال قوم نزلت في اختلاف أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الذين تخلفوا عن رسول الله يوم أحد، وانصرفوا إلى المدينة. وقالوا لرسول الله وأصحابه لو نعلم قتالا لاتبعناكم. ذكر ذلك زيد بن ثابت.
والثاني - قال مجاهد، وأبو جعفر (ع)، والفراء: إنها نزلت في اختلاف كان بين أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في قوم كانوا قدموا المدينة من مكة، واظهروا للمسلمين أنهم مسلمون، ثم رجعوا إلى مكة، لأنهم استوخموا المدينة، واظهروا لهم الشرك، ثم سافروا ببضائع المشركين إلى اليمامة. فاراد المسلمون أن يأخذوهم وما معهم فاختلفوا. وقال قوم: لا نفعل ذلك لأنهم مؤمنون. وقال آخرون: هم مرتدون. فأنزل الله فيهم الآية.
الثالث - قال ابن عباس، وقتادة، والضحاك: بل كان اختلافهم في قوم من أهل الشرك كانوا أظهروا الاسلام بمكة، وكانوا يعينون المشركين على المسلمين، فقال قوم: دماؤهم، وأموالهم حلال وقال آخرون: لا بل هو حرام.
الرابع - قال السدي نزلت في قوم كانوا بالمدينة أرادوا الخروج عنهم نفاقا. وقالوا للمؤمنين أصابنا جدب وخصاصة نخرج إلى الظهر حتى نتماءل، ونرجع، فقال قوم: هم منافقون. وقال آخرون: هم مؤمنون.
والخامس - قال ابن زيد: بل نزلت في اختلاف أصحاب رسول الله في قصة أهل الافك عبد الله بن أبي، وأصحابه، لما تكلموا في عائشة.
الاعراب:
وقوله: { فئتين } يحتمل نصبه أمرين:
أحدهما - قال بعض البصريين هو نصب على الحال كقولك: مالك قائماً. ومعناه مالك في حال القيام. وقال الفراء: هو نصب على فعل ما لكم ولا ينافي كان المنصوب في مالك: معرفة، أو نكرة. ويجوز أن تقول مالك السائر معنا، لأنه كالفعل الذي ينصب بكل، وأظن، وما أشبهما قال: وكل موضع صلحت فيه فعل ويفعل من المنصوب، جاز نصب المعرفة، والنكرة. كما تنصب كان وأظن، لأنهما نواقص في المعنى. وان ظننت انهن تامات. واختلفوا في معنى اركسهم، فقال ابن عباس: معناه ردهم. وفي رواية أخرى عنه: أوقعهم. وقال قتادة: اهلكهم [وقال السدي: معناه أضلهم بما كسبوا. ومعناه أيضاً اهلكهم] وقوله: { أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يظلل الله فلن تجد له سبيلاً } معناه أتريدون أيها المؤمنون أن تهدوا إلى الاسلام من أضله الله. ويحتمل معنيين:
أحدهما - أن من وجده الله ضالا، وسماه بأنه ضال، وحكم به من حيث ضل بسوء اختياره.
والثاني - أضله الله بمعنى خذله. ولم يوفقه كما وفق المؤمنين، لأنهم لما عصوا وخالفوا استحقوا هذا الخذلان عقوبة لهم على معصيتهم، فيريدون الدفاع عن قتالهم مع ما حكم الله بضلالهم وخذلانهم. وقال الجبائي: المعنى ومن يعاقبه الله على معاصيه، فلا تجد له طريقاً إلى الجنة. وطعن على الأول من قول البغداديين ان المراد به التسمية، والحكم بأن قال: لو أراد ذلك، لقال: ومن ضلل الله وهذا ليس بشيء، لأنهم يقولون: أكفرته وكفرته، وأكرمته وكرمته: إذا سميته بالكفر أو الكرم قال الكميت:

فطائفة قد أكفروني بحبكم وطائفة قالوا مسيئ ومذنب

ويحتمل أن يكون المراد وجدهم ضلالا، كما قال الشاعر:

هبوني امرأ منكم أضل بعيره

أي وجده ضالا، ثم قال لهم أليس الله قال: { { ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً } أترى أراد أن الشيطان يخلق فيهم الضلالة؟ بل انما أراد يدعوهم إليها ولا خلاف أن الله تعالى لا يدعو إلى الضلالة، ويقوي قول من قال: المراد به التسمية. قوله: { أتريدون أن تهدوا من أضل الله } وانما أراد ان تسموهم مهتدين لأنهم كانوا يزعمون أنهم مؤمنون فحينئذ رد الله عليهم، فقال: لا تختلفوا في هؤلاء، وقولوا باجمعكم: إنهم منافقون. ولم يكونوا يدعونهم إلى الايمان، فخالفهم أصحابهم، فعلم ان الصحيح ما قلناه، ثم أخبر الله تعالى فقال: { ومن يضلل الله } يعني من خذله { فلن تجد له سبيلاً } يا محمد ولا طريقاً. ومن قال من المجبرة: إن قوله: { أركسهم بما كسبوا } يدل على أنه أوقعهم في النفاق. فقولهم باطل، لأنه قال: بما كسبوا، فبين انه فعل بهم ذلك على وجه الاستحقاق. وذلك لا يليق إلا بما قدمناه، لأنه لو أوقعهم في النفاق لمعصية تقدمت، لكان يجب أن يكون أوقعهم فيها لمعصية أخرى. وذلك يؤدي إلى ما لا يتناهى أو ينتهي إلى معصية ابتدأهم بها وذلك ينافي قوله: { بما كسبوا } والفئة الفرقة من الناس. مأخوذ من فأيت رأسه إذا شققته. الفأو: الشعب من شعاب الجبل. والركس: الرد إلى الحالة الاولى. ومنه قيل للعذرة، والروث: ركس.