خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ
٥١
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٥٢
صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ
٥٣
-الشورى

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ نافع وابن عامر في رواية الداحوني عن صاحبه { أو يرسل.. فيوحي } بالرفع على تقدير او هو يرسل فيوحى ويكون المعنى يراد به الحال بتقدير إلا موحياً او مرسلا وذلك كلامه اياهم. الباقون بالنصب ويرسل فيوحي على تأويل المصدر، كأنه قال إلا ان يوحي او يرسل. ومعنى (او) في قوله { أو يرسل رسولا } يحتمل وجهين:
احدهما - العطف، فيكون ارسال الرسول احد اقسام بكلام كما يقال عتابك السيف كانه قيل الا وحياً او ارسالا.
الثاني - ان يكون (الا ان) كقولك لألزمنك او تعطيني حقي، فلا يكون الارسال في هذا الوجه كلاماً. ولا يجوز ان يكون { أو يرسل } فيمن نصب عطفاً على قوله { أن يكلمه الله } لأنك لو حملته على ذلك لكان المعنى وما كان لبشر أن يكلمه الله او ان يرسل رسولا، ولم يخل قولك { أو يرسل رسولا } من ان يكون المراد به او يرسله رسولا او يكون المراد او يرسل اليه رسولا، والتقديران جميعاً فاسدان، لانا نعلم أن كثيراً من البشر قد ارسل رسولا، وكثيراً منهم ارسل اليه رسولا، فاذا بطل ذلك صح ما قدرناه اولا، ويكون التقدير ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحي وحياً او يرسل رسولا، فيوحي، ويجوز في قوله { إلا وحياً } أمران:
احدهما - ان يكون استثناء منقطعاً.
والآخر - ان يكون حالا، فان قدرته استثناء منقطعاً لم يكن فى الكلام شيء توصل به (من) لأن ما قبل الاستثناء لا يعمل في ما بعده، لأن حرف الاستثناء فى معنى حرف النفي، ألا ترى أنك إذا قلت: قام القوم إلا زيداً، فالمعنى قام القوم لا زيد. فكما لا يعمل ما قبل حرف النفي في - ما بعده كذلك لا يعمل ما قبل الاستثناء - إذا كان كلاماً تاماً - في ما بعده إذ كان بمعنى النفي، وكذلك لا يجوز أن يعمل ما بعد (إلا) في ما قبلها، فاذا كان كذلك لم يتصل الجار بما قبل (إلا) ويمتنع أن يتصل به الجار من وجه آخر، وهو ان قوله { أو من وراء حجاب } من صلة (يوحي) الذي هو بمعنى (أن يوحي) فاذا كان كذلك لم يجز ان يحمل الجار الذي هو فى قوله { من وراء حجاب } على (أو يرسل) لانك تفصل بين الصلة والموصول بما ليس منهما. ألا ترى أن المعطوف على الصلة من الصلة إذا حملت العطف على ما ليس في الصلة فصلت بين الصلة والموصول بالاجنبي الذي ليس منها، فاذا لم يجز حمله على { يكلمه } في قوله { ما كان لبشر أن يكلمه الله } ولم يكن بدّ من ان يعلق الجار بشيء، ولم يكن في اللفظ شيء يحمل عليه أضمرت (بما يكلم) وجعلت الجار فى قوله { أو من وراء حجاب } متعلقاً بفعل مراد فى الصلة محذوف حذفاً للدلالة عليه، ويكون في المعنى معطوفاً على الفعل المقدر صلة، لأن الموصول يوحي، فيكون التقدير: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحى اليه، او يكلمه من وراء حجاب، فحذف (يكلم) من الصلة، لان ذكره قد جرى وإن كان خارجاً من الصلة، فحسن لذلك حذفه من الصلة.
ومن رفع { أو يرسل رسولا } فانه يجعل (يرسل) حالا والجار في قوله { أو من وراء حجاب } يتعلق بمحذوف، ويكون فى الظرف ذكر من ذى الحال، ويكون قوله { إلا وحياً } على هذا التقدير مصدراً وقع موقع الحال، كقولك جئت ركضاً او اتيت عدواً. ومعنى { أو من وراء حجاب } فيمن قدر الكلام استثناء منقطعاً او حالا: يكلمهم غير مجاهر لهم بكلامه، يريد ان كلامه يسمع ويحدث من حيث لا يرى، كما ترى سائر المتكلمين، ليس ان ثم حجاباً يفصل موضعاً من موضع، فيدل ذلك على تحديد المحجوب.
ومن رفع (يرسل) كان (يرسل) فى موضع نصب على الحال. والمعنى هذا كلامه كما تقول: تحيتك الضرب وعتابك السيف.
يقول الله تعالى إنه ليس لبشر من الخلق أن يكلمه الله إلا أن يوحي اليه وحياً { أو من وراء حجاب } معناه او بكلام بمنزلة ما يسمع من وراء حجاب، لانه تعالى لا يجوز عليه ما لا يجوز إلا على الاجسام من ظهور الصورة للابصار { أو يرسل رسولا } فان جعلناه عطفاً على إرسال الرسول، كان احد أقسام الكلام كما قلناه فى قولهم: عتابك السيف، كأنه قال إلا وحياً او إرسالا، وإن لم تجعله عطفاً لم يكن احد اقسامه، ويكون كقولهم: لألزمنك او تعطيني حقي، فلا يكون الارسال فى هذا الوجه كلاماً، فيكون كلام الله لعباده على ثلاثة اقسام:
اولها - ان يسمع منه كما يسمع من وراء حجاب، كما خاطب الله به موسى عليه السلام.
الثاني - بوحى يأتي به الملك إلى النبي من البشر كسائر الانبياء.
الثالث - بتأدية الرسول إلى المكلفين من الناس، وقيل فى الحجاب ثلاثة اقوال:
احدها - حجاب عن إدراك الكلام لا المكلم وحده.
الثاني - حجاب لموضع الكلام.
الثالث - إنه بمنزلة ما يسمع من وراء حجاب { فيوحي بإذنه ما يشاء } معناه إن ذلك الرسول الذي هو الملك يوحي إلى النبي من البشر بامر الله ما شاءه الله { إنه علي حكيم } معناه إن كلامه المسموع منه لا يكون مخاطبة يظهر فيها المتكلم بالرؤية، لأنه العلي عن الادراك بالابصار وهو الحكيم فى جميع افعاله وفي كيفية خطابه لخلقه.
وقال السدي: معنى الآية إنه لم يكن لبشر ان يكلمه الله إلا وحياً بمعنى إلا إلهاماً بخاطر او في منام او نحوه من معنى الكلام اليه في خفاء { أو من وراء حجاب } يحجبه عن إدراك جميع الخلق إلا عن المتكلم الذي يسمعه كما سمع موسى كلام الله { أو يرسل رسولا } يعني به جبرائيل.
وقوله { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } معناه مثل ما اوحينا إلى من تقدم من الانبياء اوحينا اليك كذلك الوحي من الله إلى نبيه روح من أمره وهو نور يهدي به من يشاء من عباده إلى صراط مستقيم بصاحبه إلى الجنة والصراط المستقيم الطريق المؤدي إلى الجنة، وهو صراط الله الذي له ما في السموات وما فى الأرض، ملك له يتصرف فيه كيف يشاء، وهو صراط من تصير الأمور اليه، ولا يبقى لأحد أمر ولا نهي ولا ملك ولا تصرف، وهو يوم القيامة. وقوله { ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } يعني ما كنت قبل البعث تدري ما الكتاب ولا ما الايمان قبل البلوغ { ولكن جعلناه } يعني الروح الذي هو القرآن { نوراً نهدي من نشاء من عبادنا } يعني من المكلفين، لان من ليس بعاقل وإن كان عبد الله، فلا يمكن هدايته لانه غير مكلف.
ثم قال { وإنك لتهدي } يا محمد { إلى صراط مستقيم } أي طريق مفض الى الحق، وهو الايمان، وإنما جر { صراط الله } بأنه بدل من قوله { صراط مستقيم } ثم قال { ألا إلى الله تصير الأمور }، أي اليه ترجع الامور والتدبير وحده يوم القيامة