لما اخبر الله تعالى أن الدخان يغشى الناس عذابا لهم وعقابا للكفار، وحكى أنهم يقولون هذا عذاب أليم، حكى ايضا انهم يقولون ويدعون { ربنا اصرف عنا العذاب } الذي أنزلته من الدخان { إنا موقنون } بأنه لا إله غيرك، وأن لا يستحق العبادة سواك. فقال تعالى { أنى لهم الذكرى } قال ابن عباس معناه (كيف)؟ وقال غيره معناه من أين لهم الذكرى { وقد جاءهم رسول مبين } وحثهم على ذلك فلم يقبلوا منه، وهذا زمان سقوط التكليف لكونهم ملجئين فلا تقبل لهم توبة.
وقوله { ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون } قال مجاهد: المعنى ثم تولوا عن محمد صلى الله عليه وآله وقالوا هو معلم يعلمه غيره، ونسبوه إلى الجنون، وأنه مجنون. ثم قال تعالى { إنا كاشفوا العذاب قليلا } على وجه التبكيت لهم على شدة عنادهم إنا لو كشفنا عنكم العذاب ورفعناه عنكم { إنكم عائدون } فمن قال إن العذاب بالدخان عند رفع التكليف قال { إنكم عائدون } فى العذاب، وهو قول قتادة ومن ذهب إلى انه فى الدنيا مع بقاء التكليف، قال معناه { إنكم عائدون } في الضلال. وهو قول جماعة.
وقوله { يوم نبطش البطشة الكبرى } فالبطش الأخذ بشدة وقع الألم، بطش به يبطش بطشاً، ومثله عرش يعرش ويعرش، وهو باطش، واكثر ما يكون بوقوع الضرب المتتابع، فأجري افراغ الألم المتتابع مجراه و { البطشة الكبرى } قال ابن مسعود ومجاهد وابو العالية، وروى عن ابن عباس وابي بن كعب والضحاك وابن زيد: هو ما جرى عليهم يوم بدر - وفي رواية أخرى عن ابن عباس والحسن انه يوم القيامة، وهو اختيار الجبائي.
وقوله { إنا منتقمون } اخبار منه تعالى أنه ينتقم من هؤلاء الكفار بانزال العقوبة بهم، وقد فرق قوم بين النقمة والعقوبة: بأن النقمة ضد النعمة، والعقوبة ضد المثوبة، فهي مضمنة بأنها بعد المعصية فى الصفة، وليس كذلك النقمة وإنما تدل الحكمة على انها لا تقع من الحكيم إلا لأجل المعصية.