يقول الله تعالى على وجه القسم فى خبره أنه مكن هؤلاء الكفار الذين اخبر عنهم بأنه اهلكهم انه مكنهم من الطاعات ومن جميع ما أمرهم به من انه جعلهم قادرين متمكنين بنصب الدلالة على توحيده، ومكنهم من النظر فيها، ورغبهم فى ذلك بما ضمن لهم من الثواب وزجرهم عما يستحق به العقاب، ولطف لهم وازاح عللهم فى جميع ذلك، لان التمكين عبارة عن فعل جميع ما لا يتم الفعل إلا معه، ثم قال { وجعلنا لهم سمعاً } يسمعون به الادلة { وأبصاراً } يشاهدون بها الآيات { وأفئدة } يفكرون بها ويعتبرون بالنظر فيها { فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم
ولا أفئدتهم من شيء } أي لم ينفعهم جميع ذلك، لانهم لم يعتبروا بها ولا فكروا فيها { إذ كانوا يجحدون بآيات الله } وأدلته { وحاق بهم } أي حل بهم عذاب { ما كانوا به يستهزؤن } ويسخرون منه.
وقوله { ما إن مكناكم فيه } قال ابن عباس وقتادة: معناه في ما لم نمكنكم فيه. وقال المبرد: (ما) الاولى بمعنى (الذي) و (إن) بمعنى (ما) وتقديره فى الذي ما مكناكم، والمراد بالآية وعيد كفار قريش وتهديدهم وأن الله قد مكن قوم عاد بما لم يمكن هؤلاء منه، من عظيم القوة وشدة البطش والقدرة على جميع ما يطلبونه، وأنهم مع تمكينهم لم ينفعهم ذلك لما نزل بهم عذاب الله حين كفروا به وجحدوا ربوبيته ولم يغنهم جميع ذلك.
ثم قال { ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى } يعني قوم هود وصالح، لأنهم كانوا مجاورين لبلاد العرب وبلادهم حول بلادهم، فاذا أهلكهم الله بكفرهم كان ينبغي أن يعتبروا بهم { وصرفنا الآيات } وتصريف الآيات تصييرها فى الجهات وتصريف الشيء تصييره فى الجهات، وتصريف المعنى تصييره تارة مع هذا الشيء وتارة مع ذلك، وتصريف الآيات تصييرها تارة فى الاعجاز وتارة فى الاهلاك، وتارة فى التذكير بالنعم وتارة فى وصف الابرار، وتارة في وصف الفجار، ليجتنب مثل فعلهم { لعلهم يرجعون } أي لكي يرجعوا إلى طاعته.
ثم قال { فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قرباناً آلهة } ومعناه فهلا نصرهم الذين اتخذوا آلهة من دون الله من الاصنام، توبيخاً لهم على فعلهم واعلاماً بأن من لا يقدر على نصرة أوليائه كيف تصح عبادته { قرباناً آلهة } أي يقربون اليهم قرباناً وسموها آلهة.
ثم قال لم ينصرونهم { بل ضلوا عنهم } واخبر أن { ذلك إفكهم وما كانوا
يفترون } أي كذبهم الذي كذبوه، والذي كانوا يفترونه، ويخترعونه.
ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله واذكر يامحمد { إذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه } يعني القرآن او النبي { قالوا } بعضهم لبعض { أنصتوا فلما قضي } أي حين فرغ من تلاوته { ولوا إلى قومهم منذرين } لهم مخوفين من معاصي الله. وقال قوم: إن الله تعالى أمر نبيه ان يقرأ القرآن على الجن، وأمره بأن يدعوهم إلى عبادته. وقال قوم: هم يسمعون من قبل نفوسهم لقراءة القرآن فلما رجعوا { قالوا } لقومهم { يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه } يعني التوراة { يهدي إلى الحق } أي يرشد اليه { ويهدي إلى طريق مستقيم } من توحيد الله ومعرفة نبيه المؤدي إلى الجنة. وقال ابن عباس وسعيد ابن جبير: صرفوا اليه بالرجم بالشهب، فقالوا عند ذلك إن هذا الأمر كبير.
وقال قتادة: صرفوا اليه من جهة. وفي رواية عن ابن عباس من نصيبين. وقيل:
ان نصيبين من أرض اليمن. وقال رزين بن حبيش: كانوا تسعة نفر، وقال ابن عباس: كانوا سبعة نفر. وقال قوم: صرفوا اليه بالتوفيق.