خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً
١١
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً
١٢
وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً
١٣
وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
١٤
سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً
١٥
-الفتح

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل الكوفة إلا عاصماً { كلم الله } على الجمع. الباقون { كلام الله } على التوحيد، لانه يدل على الكثير من حيث هو اسم جنس، قال ابو علي { كلام الله } يقع على ما يفيد، والكلم يقع أيضاً على الكلام، وعلى ما لا يفيد والكلم جمع كلمة.
وقرأ حمزة والكسائي { ضراً } بالفتح. الباقون بالضم. فمن قرأ - بالفتح - أراد المصدر. ومن قرأ بالضم أراد الاسم. وقيل بالفتح ضد النفع وبالضم سوء الحال، كقوله
{ مسني الضر } ويقال: ضرني الشيء وأضرني، ولا يقال: أضربي، وضره يضره وضاره يضيره بمعنى واحد.
هذا اخبار عن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله انه { سيقول لك } يا محمد { المخلفون من الأعراب } قال ابن اسحاق ومجاهد: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله الخروج إلى مكة عام الحديبية أحرم بعمرة ودعا الاعراب الذين حول المدينة إلى الخروج، فتثاقلوا: أسلم وغفار وجهينة ومزينة، فاخبر الله تعالى بذلك. والمخلف هو المتروك فى المكان خلف الخارجين عن البلد، وهو مشتق من المتخلف وضده المتقدم. تقول خلفته كما تقول قدمته تقديماً، وإنما تخلفوا لتثاقلهم عن الجهاد وإن اعتذروا بشغل الأموال والاولاد. والاعراب الجماعة من عرب البادية، وعرب الحاضرة ليسوا بأعراب، ففرقوا بينهما، وإن كان اللسان واحد.
وقوله { شغلتنا أموالنا وأهلونا } أخبار بما اعتلوا به، فالشغل قطع العمل عن عمل، لا يمكن الجمع بينهما لتنافى أسبابهما كالكتابة والرمي عن القوس والله لا يشغله شأن عن شأن لانه لا يعمل بآلة. وقوله { فاستغفر لنا } حكاية ما قالوه للنبي وسألوه أن يستغفر لهم والاستغفار طلب المغفرة بالدعاء مع التوبة عن المعاصي فهؤلاء سألوا الدعاء بالمغفرة، وفي قلوبهم خلاف ما أظهروه بافواههم ففضحهم الله وهتك أستارهم، وأبدى ما نافقوا به فى جهادهم، فقال { يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم }.
ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله { قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً } لا يقدر احد على دفعه { أو أراد بكم نفعاً } لا يقدر احد على إزالته { بل كان الله بما تعملون خبيراً } أي عالماً نافعاً لكم لا يخفى عليه شيء منها، ثم قال له قل لهم { بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً } أي ظننتم انهم لا يرجعون ويقتلون ويصطلمون. وهو قول قتادة { وزين ذلك في قلوبكم } زينه الشيطان ذلك وسوّله لكم { وظننتم ظن السوء } فى هلاك النبي والمؤمنين، وإن الله ينصر عليهم المشركين { وكنتم قوماً بوراً } والبور الفاسد وهو معنى الجمع وترك جمعه فى اللفظ لانه مصدر وصف به قال حسان:

لا ينفع الطول من نوك القلوب وقد يهدي الا له سبيل المعشر

البور والبوار الهلاك وبارت السلعة إذا كسدت والبائر من الفاكهة مثل الفاسدة. وقال قتادة { بوراً } أي فاسدين. وقال مجاهد: هالكين. ثم قال تعالى مهدداً لهم { ومن لم يؤمن بالله ورسوله } أي لم يصدق بهما { فإنا أعتدنا للكافرين سعيراً } أي ناراً تسعرهم وتحرقهم. ثم قال { ولله ملك السماوات والأرض } بأن يتصرف فيهما كما يشاء لا يعترض أحد عليه فيها { يغفر لمن يشاء } معاصيه { ويعذب من يشاء } إذا استحق العقاب بارتكاب القبائح { وكان الله غفوراً رحيماً } أي ساتراً على عباده معاصيهم إذا تابوا لا يفصحهم بها رحيماً باسقاط عقابهم الذي استحقوها بالتوبة على وجه الابتداء.
ثم قال تعالى { سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها } يعني غنائم خيبر { ذرونا نتبعكم } أي اتركونا نجيء معكم، فقال الله تعالى { يريدون أن يبدلوا كلام الله قل } لهم يا محمد { لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل } قال مجاهد وقتادة: يعني ما وعد به أهل الحديبية أن غنيمة خيبر لهم خاصة، فارادوا تغيير ذلك بأن يشاركوهم فيها فمنعهم الله من ذلك. وقال ابن زيد: أراد بقوله { لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدوّاً } وهذا غلط لأن هذه الآية نزلت فى الذين تأخروا عن تبوك بعد خيبر وبعد فتح مكة، فقال الله تعالى لهم { لن تخرجوا معي أبداً } لان النبي صلى الله عليه وآله لم يخرج بعد ذلك فى قتال ولا غزو إلى أن قبضه الله تعالى. ثم قال { كذلك قال الله من قبل } أي مثل ذلك حكم الله وقال ابن زيد: غنيمة خيبر لأهل الحديبية خاصة لا يشركهم فيها أحد. ثم حكى ما قالوه بأنهم { فسيقولون } عند ذلك ليس الأمر كذلك { بل تحسدوننا } فقال ليس الأمر على ما قالوه { بل كانوا لا يفقهون } الحق وما يدعون اليه { إلا قليلا } وقيل معناه لا يفقهون الحق إلا القليل منهم، وهم المعاندون. وقال بعضهم لا يفقهون إلا فقها قليلا أو الاشياء قليلا. وإنما قالوا: تحسدوننا، لان المسلمين لما توجهوا إلى خيبر وأخذوا غنائمها، قال المخلفون { ذرونا نتبعكم } قالوا نعم على ان لا شيء لكم من الغنيمة، فقالوا عند ذلك تحسدوننا، فقال تعالى { بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا }.