لما بين الله تعالى حكم الكفار الذين قلدوا آباءهم واسلافهم وركنوا اليهم في أديانهم، ذكر في هذه الآية أن المكلف انما يلزمه حكم نفسه وأنه لا يضره ضلال من ضل اذا كان هو مهتدياً، حتى يعلم بذلك أنه لا يلزمهم من ضلال آبائهم شيء من الذم والعقاب.
و { أنفسكم } نصب على الاغراء كأنه قال: احفظوا أنفسكم أن تزلوا كما زل غيركم. والعرب تغري بـ (عليك، واليك، ودونك، وعندك) فينصبون الاسماء بها، ولم يغروا بـ (منك) كما أغروا بـ (اليك)، لأن (اليك) أحق بالتنبيه من (منك). والاغراء تنبيه على ما يجب أن يحذر، ولذلك لم يغروا بـ (فيك) ونحوها من حروف الاضافة. وحكى المغربي: أنه سمع من يغري بـ (وراءك) و (قدامك).
وليس في الآية ما يدل على سقوط انكار المنكر. وإنما يجوز الاقتصار على الاهتداء بأتباع أمر الله في حال التقية، هذا قول ابن مسعود، على أن الانسان إِنما يكون مهتدياً اذا اتبع أمر الله في نفسه وفي غيره بالانكار عليه. وروي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال "اذا رأوا الناس منكراً فلم يغيروه عمهم الله بالعقاب"
وفي الآية دلالة على فساد مذهب المجبرة في تعذيب الاطفال، لأنه لو كان الامر على ما قالوه لم يأمن المؤمنون أن يؤخذوا بذنوب آبائهم، وقد بين الله تعالى أن الامر بخلافه مؤكداً لما في العقل.
وقوله { إلى الله مرجعكم جميعاً } معناه اليه تعالى مآلكم في الوقت الذي لا يملك أحد الضرر والنفع سواء بخلاف دار الدنيا التي مكن الله تعالى الخلق من الضرر والنفع فيها. وقوله { فينبئكم } معناه يخبركم بأعمالكم التي عملتموها في الدنيا من الطاعات والمعاصي، ويجازيكم بحسبها، وفي ذلك غاية الزجر والتهديد.
وقوله { لا يضركم } يحتمل أن يكون جزماً لأنه جواب الامر، وحرك الراء لانها ثقيلة وأولها ساكن، فلا يستقيم إِسكان آخرها، فيلتقي ساكنان. قال الاخفش: والأجود أن يكون رفعاً على الابتداء، لأنه ليس بعلة لقوله { عليكم أنفسكم } وإِنما أخبر أنه لا يضرهم.