خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ
٦٦
-المائدة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قد بينا معنى { لو } فيما مضى وإِنما فتحت { أنهم } بعدها لأن هذا موضع قد خالف الابتداء بأنه بالفعل أولى فصار بمنزلة العامل الذي يختص بالفعل دون الاسم أو الاسم دون الفعل يبين ذلك امتناع اللام من الدخول على الخبر في { لو } وليس كذلك { حتى } و { الا }. ومعنى { أقاموا التوراة والإنجيل } علموا بما فيهما على ما فيهما دون أن يحرفوا شيئاً منهما أو يغيروا أو يبدلوا كما كانوا يفعلون ويحتمل أن يكون معناه بما فيهما بأن أقاموهما نصب أعينهم لئلا يزلوا في شيء من حدودهما.
وقوله { وما أنزل إليهم من ربهم } يحتمل أمرين:
أحدهما - قال ابن عباس وأبو علي وغيرهما: المراد به الفرقان.
الثاني - قال قوم: كل ما دل الله عليه من امور الدين. وقوله { لأكلوا من فوقهم } بارسال السماء عليهم مدراراً { ومن تحت أرجلهم } باعطاء الأرض خيرها وبركتها وقال قوم { من فوقهم } ثمار النخل والأشجار { ومن تحت أرجلهم } الزرع. والمعنى لو آمنوا لأقاموا في أوطانهم، وأموالهم وزروعهم، ولم يجلوا عن بلادهم، ففي ذلك التأسيف لهم على ما فاتهم، والاعتداد بسعة ما كانوا فيه من نعمة الله عليهم، وهو جواب التبخيل في قولهم
{ { يد الله مغلولة } }. الثاني ان المعنى فيه التوسعة، كما يقال: هو في الخير من قرنه الى قدمه أي يأتيه الخير من كل جهة يلتمسه منها. واختار الطبري الوجه الأول.
وقد جعل الله التقى من أسباب الرزق فقال
{ { ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب } وقال { { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض } وقال { { استغفروا ربكم إِنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً } وقال { { وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً } }. وقوله { منهم أمَّة مقتصدة } يعني من هؤلاء الكفار قوم معتدلون في العمل من غير غلو ولا تقصير. قال أبو علي: وهم الذين أسلموا منهم، وتابعوا النبي (صلى الله عليه وسلم)، وهو المروي في تفسير أهل البيت.
وقال قوم: نزلت في النجاشي وأصحابه. وحكى الزجاج عن قوم أنهم قالوا: نزلت في قوم لم يناصبوا النبي (صلى الله عليه وسلم) مناصبة هؤلاء. والأول أقوى، لأن الله تعالى لا يجوز أن يسمي الناصب مقتصداً بحال. ويحتمل أن يكون أراد به من يقر منهم بأن المسيح عبد الله، ولا يدعي فيه الالهية والبنوة. وقال مجاهد: هم مسلموا أهل الكتاب. وبه قال ابن زيد، والسدي.
واشتقاق المقتصدين من القصد، لأنه القاصد الى ما يعرف، فكان خلاف الطالب المتحير في طلبه. والاقتصاد الاستواء في العمل المؤدي الى الغرض. وقوله { وكثير منهم ساء ما يعملون } أخبار منه تعالى أن أكثر هؤلاء اليهود والنصاري. يعملون الاعمال السيئة وهم الذين يقيمون على الكفر والجحود بالنبي (صلى الله عليه وسلم) وقوله { ساء } معناه قبح و { ما يعملون } يحتمل أن تكون { ما } مع ما بعدها بمنزلة المصدر والتقدير: بئس شيئاً عملهم كما قال: { ساء مثلاً القوم الذين كذبوا }. والثاني أن تكون { ما } بمعنى الذي وما بعدها صلة لها والعائد محذوف.