خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ
١٠٠
-الأنعام

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ أهل المدينة { خرَّقوا } بتشديد الراء. الباقون بتخفيفها، قال أبو عبيدة { وخرقوا له بنين وبنات } أي جعلوا له وأشركوه. يقال: خرق واخترق واختلق بمعنى، اذا افتعل وافترا وكذب، قال أحمد بن يحيى: خرق واخترق، وقال ابو الحسن الخفيفة أحب اليَّ، لانها أكثر.
وقيل ان المعنى المشركين ادعوا أن الملائكة بنات الله، والنصارى المسيح ابن الله واليهود عزير ابن الله ومن شدد كأنه ذهب الى التكثير.
أخبر الله تعالى أن هؤلاء الكفار العادلين عن الحق المتخذين معه آلهة جعلوا له أندادا وشركاء الجن، كما قال
{ وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا } وقال { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن أناثا } وقال { ويجعلون لله البنات } ووصفهم بالجن لخفائهم عن الابصار وقوله { وجعلوا لله شركاء الجن } أراد به الكفار الذين جعلوا الملائكة بنات الله والنصارى الذين جعلوا المسيح ابن الله، واليهود الذين جعلوا عزيراً ابن الله، ولذلك قال { وخرقوا له بنين وبنات } ففصل أقوالهم.
وقيل ان معنى { شركاء الجن } في استعاذتهم بهم.
وقيل ان المعنى ان المجوس تنسب الشرَّ الى إِبليس وتجعله بذلك شريكا.
والهاء والميم في قوله { وخلقهم } يحتمل أن تكون عائدة الى الكفار الذين جعلوا لله الجن شركاء. ويحتمل أن تكون عائدة على الجن، ويكون المعنى { وجعلوا لله شركاء الجن } والله خلق الجن فكيف يكونون شركاء له. وفي نصب الجن وجهان أحدهما - ان يكون تفسيرا للشركاء وبدلا منه. والآخر - ان يكون مفعولا به ومعناه وجعلوا لله الجن شركاء وهو خالقهم. وروي عن يحيى بن يعمر انه قرأ "وخلقهم" بسكون اللام بمعنى أن الجن شركاء لله في خلقه إِيانا، وهذه القراءة ضعيفة. والقراءة المعروفة أجود، لان المعنى وخلقهم بمعنى أن الله خلقهم متفردا بخلقه اياهم.
وقوله { وخرقوا له بنين وبنات } معناه تخرصوا، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد وغيرهم، فيتلخص الكلام أن هؤلاء الكفار جعلوا لله الجن شركاء في عبادتهم اياه مع انه المتفرد بخلقهم بغير شريك ولا معين ولا ظهير { وخرقوا له بنين وبنات } معناه تخرصوا له كذبا بنين وبنات { بغير علم } أي بغير حجة. ويحتمل أن يكون معناه بغير علم منهم بما عليهم عاجلا وآجلا ويحتمل ان يكون معناه بغير علم منهم بما قالوه على حقيقة ما يقولون، لكن جهلا منهم بالله وبعظمته، لانه لا ينبغي لمن كان الها أن يكون له بنون وبنات ولا صاحبة ولا أن يشركه في خلقه شريك، ثم نزه نفسه تعالى وأمرنا بتنزيهه عما أضافوه اليه، وأنه يجلُّ عن ذلك ويتعالى عنه، فقال { سبحانه وتعالى عما يصفون } من ادعائهم له شركاء واختراقهم له بنين وبنات لان ذلك لا يليق بصفته ولا بواحدانيته.