خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ
١٤
-الأنعام

التبيان الجامع لعلوم القرآن

أجمع القراء على ضم الياء وفتح العين من قوله { ولا يطعم } وقرىء في الشواذ بفتح الياء والعين معا. فمن ضم الياء أراد أن غيره لا يطعمه في مقابلة قوله: { وهو يطعم }. ومن فتح الياء أراد أنه نفسه لا يطعم. والمعنى هو يرزق الخلق ولا يرزقه أحد. والطعمة والطعم والاطعام الرزق، قال امرؤ القيس:

مطعم للصيد ليس له غيرها كسب على كبره

وقال علقمة بن عدي:

ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمة أنى توجه والمحروم محروم

ألا ترى أنه وضع الحرمان في مقابلة الاطعام، كما يوضع أبداً مقابلا للرزق. وقيل: إِنه ذكر الاطعام، لان حاجة العباد اليه أشد، ولان نفيه عن الله أدل على نفي شبهه بالمخلوقين، لان الاطعام لا يجوز الا على الاجسام.
والاختيار في { فاطر } الخفض لانه من صفة { الله }. والرفع، والنصب جائزان على المدح. فمن رفع فعلى اضمار (هو)، وتقديره: هو فاطر السماوات والارض، وهو يطعم ولا يطعم. ومن نصب فعلى معنى: اذكروا عني.
ومعنى: { فاطر السماوات والأرض } خالقهما، كما قال:
{ وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون } أي خلقني. قال ابن عباس: ما كنت أدري ما معنى { فاطر } حتى اختصم الي اعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها أي ابتدأتها. وأصل الفطر الشق، ومنه قوله تعالى: { إذا السماء انفطرت } أي انشقت.
ومعنى { فطر السماوات والارض } خلقهما خلقا قاطعا. والإِنفطار، والفطور تقطع وتشقق وفي الآية دلالة وحجة على الكفار، لان من خلق السماوات والارض وأنشأ ما فيها، وأحكم تدبيرهما، واطعم من فيهما هو الذي ليس كمثله شىء وان الخلق فقراء اليه وهو الغني القادر القاهر، فلا يجوز لمن عرف ذلك أو جعل له السبيل الى معرفته ان يعبد غيره.
وقوله { وأمرت أن أكون أول من أسلم } معناه أن أكون اول من خضع، وآمن وعرف الحق من قومي، وأن اترك ما هم عليه من الشرك. ومثله قوله
{ قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } بأنه لم يكن للرحمان ولد، يعني من هذه الامة، لأنه قد عبد الله النبيون والمؤمنون قبله، ومثله قوله { سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين } ممن سألك أن تريه نفسك - بأنك لا ترى. وقول السحرة { إِنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين } بأن هذا ليس بسحر، وأنه الحق، أي أول المؤمنين من السحرة، ومعنى الولي - ها هنا - الإِله الذي أعبده ليتولاني، ويحفظني.
وقوله: { وأمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين } أي أمرت بالامرين معاً: أن أكون أول من أسلم من هذه الامة، وألا أكون من المشركين. والمعنى أمرت بذلك ونهيت عن الشرك، لان الامر لا يتناول ألا يكون الشىء، لانه لا يكون أمرا إِلا بارادة المأمور، والارادة لاتتعلق بألا يكون الشىء. وانما المراد ما قلناه: أنه كره مني الشرك.