خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٤٥
-الأنعام

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن كثير وحمزة "تكون" بالتاء { ميتة } بالنصب. وقرأ ابن عامر بالتاء والرفع. الباقون بالياء والنصب.
من قرأ بالياء ونصب الميتة جعل في "تكون" ضميرا ونصب الميتة بأنه خبر كان وتقديره: الا ان يكون ذلك او الموجود ميتة.
ومن قرأ بالتاء ورفع الميتة رفعها بـ { يكون } ويكون من كان التامة دون الناقصة التي تدخل على المبتدأ والخبر، وهذه القراءة ضعيفة، لان ما بعده { أو دما مسفوحا أو لحم خنزير } بالعطف عليه، فلو كان مرفوعا لضعف ذلك.
ومن قرأ بالتاء ونصب الميتة جعل في { يكون } ضمير العين او النفس، وتقديره الا أن تكون النفس ميتة، ونصب الميتة بأنه خبر كان.
أمر الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وسلم) ان يقول لهؤلاء الكفار انه لا يجد في ما أوحي اليه شيئا محرما الا نحو ما ذكره في المائدة كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، لان جميع ذلك يقع عليه اسم الميتة، وفي حكمها، فبين هناك على التفصيل، وها هنا على الجملة وأجود من ذلك ان يقال: ان الله تعالى خص هذه الثلاثة أشياء تعظيما لتحريمها وبيَّن ما عداها في موضع آخر. وقيل: انه خص هذه الاشياء بنص القرآن وما عداه بوحي غير القرآن. وقيل: ان ما عداه حرم فيما بعد بالمدينة والسورة مكية.
والميتة عبارة عما كان فيه حياة فقدت من غير تذكية شرعية. والدم المسفوح هو المصبوب، يقال: سفحت الدمع وغيره أسفحه سفحا اذا صببته، ومنه السفاح الزنا، لصب الماء صب ما يسفح والسفح والصب والاراقة بمعنى وانما خص المسفوح بالذكر، لان ما يختلط بالدم منه مما لا يمكن تخليصه منه معفو مباح، وهو قول ابي محلز، وعكرمة وقتادة.
وقوله { أو لحم خنزير } فانه وان خص لحم الخنزير بالذكر، فان جميع ما يكون منه من الجلد والشعر والشحم وغير ذلك محرم.
وقوله { فإنه رجس } يعني ما تقدم ذكره، فلذلك كنا عنه بكناية المذكر، والرجس العذاب أيضا.
وقوله { أو فسقا } عطف على قوله { أو لحم خنزير } فلذلك نصبه، والمراد بالفسق { ما أهل لغير الله به } يعني { مما لم يذكر اسم الله عليه } او تذكر الاصنام والاوثان، وسمي ما ذكر عليه أسم الوثن: فسقا لخروجه عن أمر الله.
وأصل الإِهلال رفع الصوت بالشيء، ومنه اهل الصبي اذا صاح عند ولادته.
وقوله { فمن اضطر غير باغ ولا عاد } قيل فيه قولان:
أحدهما - غير طالب بأكله التلذذ.
والثاني - غير قاصد لتحليل ما حرم الله. وروى أصحابنا في قوله { غير باغ } ان معناه ان لا يكون خارجا على إِمام عادل أي لا يعتدى بتجاوز ذلك الى ما حرمه الله. وروى أصحابنا ان المراد به قطاع الطريق، فانهم غير مرخصين بذلك على حال.
والضرورة التي تبيح أكل الميتة هي خوف التلف على النفس من الجوع. وانما قال عند التحليل للمضطر { فإن ربَّك غفور رحيم } لان هذه الرخصة لانه { غفور رحيم } أي حكم بالرخصة كما حكم بالمغفرة. وفي ذلك بيان عن عظم موقع النعمة.
وقد استدل قوم بهذه الآية على إِباحة ما عدا هذه الاشياء المذكورة. وهذا ليس بصحيح، لان ها هنا محرمات كثيرة غيرها كالسباع، وكل ذي ناب وكل ذي مخلب، وغير ذلك. وكذلك أشياء كثيرة اختص اصحابنا بتحريمها، كالجرى والمار ما هي، وغير ذلك، فلا يمكن التعلق بذلك.
ويمكن ان يستدل بهذه الآية على تحريم الانتفاع بجلد الميتة فانه داخل تحت قوله { إن يكون ميتة } ويقويه قوله (عليه السلام) لا ينتفع من الميتة بأهاب ولا عصب. فأما دلالته على ان الشعر والصوف والريش منها والناب والعظم محرم، فلا يدل عليه، لان ما لم تحله الحياة لا يسمى ميتة على ما مضى القول فيه.