خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
١٦٤
-الأنعام

التبيان الجامع لعلوم القرآن

امر الله تعالى نبيه ان يخاطب هؤلاء الكفار، ويقول على وجه الانكار لفعلهم { أغير الله أبغي } أي أتخذ { ربَّاً } معبوداً؟! فالكلام خرج مخرج الاستفهام، والمراد به الانكار، لانه لا جواب لصاحبه الا بما هو قبيح، لان تقديره ايجوز أن اطلب الضر والنفع بعبادتي ممن هو مربوب مثلي؟! عادلا بذلك عن رب كل شيء وليس بمربوب؟! أم هذا قبيح في العقول؟ وهو لازم لكم على عبادة الاوثان. والرب اذا أطلق افاد المالك لتصريف الشيء بأتم التصريف واذا أضيف فقيل رب الدار، ورب الضيعة، فمعناه المالك لتصريفه بأتم تصريف العباد واصله التربية وهي تنشئة الشيء حالا بعد حال حتى يصير الى الكمال. ثم صرف الى معنى الملك لهذه الاحوال من الشيء وما جرى مجراها. والفرق بين الرب والسيد، أن السيد هو المالك لتدبير السواد الاعظم، والرب المالك لتدبير الشيء حتى يصير الى الكمال مع اجرائه على تلك الحال.
وقوله { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } معناه لا يكون جزاء عمل كل نفس الا عليها. ووجه اتصاله بما قبله أنه لا ينفعني في ابتغاء رب غيره ما أنتم عليه من ذلك، لانه ليس بعذر لي في اكتساب غيري له، لانه { لا تزر وازرة وزر أخرى } وقيل: ان الكفار قالوا للنبي (صلى الله عليه وسلم) اتبعنا، وعلينا وزرك ان كان خطأ، فأنزل الله الآية. وفيها دلالة على فساد قول المجبرة من وجهين:
احدهما - ان قوله { ولا تزر وازرة وزر أخرى } يدل على انه لا يعذب الطفل بكفر أبيه.
والثاني - أنه لا يعذب احدا بغير ذنب كان منه، لانهما سواء في أن كل منهما مستحق. وتقول: وَزِر يزِر وِزرا، ووُزر، يوزر، فهو موزور، وكله بمعنى الاثم. والوزر الملجأ. ومنه قوله
{ كلا لا وزر } } فحال الموزور كحال الملتجىء من غير ملجأ. ومنه الوزير لان الملك يلتجيء اليه في الامور. وقيل: أصله الثقل، ومنه قوله { ووضعنا عنك وزرك } } وكلاهما محتمل { ثم إلى ربكم مرجعكم } يعني مالككم ومصيركم الى الله في يوم لا يملك فيه الامر غيره تعالى.
وقوله { فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون } معناه انه يخبركم بالحق فيما اختلفتم فيه من الباطل، فيظهر المحسن من المسيء بما يزول معه الشك، والارتياب ويقع معه الندامة في وقت قد فات فيه استدراك الخطيئة، فمعنى الآية الحجة على ان كل شيء سوى الله فالله ربه من كل وجه يصح منه الربوبية، وفيها دلالة على فساد قول المجبرة: ان الله يعذب على غير ذنب.