خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
١٩٤
-الأعراف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

إنما قال { إن الذين } وهو يريد الاصنام، لأنها لما كانت عندهم معبودة تنفع وتضرّ، جاز أن يكني عنها بما يكنى عن الحيّ، كما قال في موضع آخر { { بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم } ولم يقل فعله كبيرها فاسألوها، وقال { { والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين } لما أضاف السجود إليها جمعها بالواو والنون التي تختص بالعقلاء ومعنى { من دون الله } غير الله، كأنه قال كل مدعو إلهاً غير الله { عباد أمثالكم } و { من } لابتداء الغاية في أن الدعاء دون دعاء الله إلى حيث انتهى إنما هو لعباد الله. ثم قال { عباد أمثالكم } فانما سماها كذلك لأن التعبد التذلل، فلما كانت الاصنام تنصرف على مشيئة الله، وهي غير ممتنعة عما يريد الله تعالى بها كانت بذلك في معنى العباد. ويقال عبدت الطرق إذا وطئته حتى تقرر وسهل سلوكه. ومنه قوله تعالى { { وتلك نعمة تمنها علي أن عبّدت بني إسرائيل } اي ذللتهم واستخدمتهم ضروباً من الخدم. وقال الجبائي وغيره: معنى { عباد } أي املاك لربهم كما انتم عبيد له، فان كنتم صادقين في ادعائكم انها آلهة فادعوهم ليستجيبوا لدعائكم. وهذه لام الأمر على معنى التهجين كما قال { { هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } فاذا لم يستجيبوا لكم، لانها لا تسمع دعاءكم فاعلموا انها لا تنفع ولا تضرّ ولا تستحق العبادة.
فأما من قال الاصنام تعبد الله على الحقيقة كما يعبد العقلاء، وان كنا لا نفقه ذلك فقد تجاهل، لأن العبادة ضرب من الشكر، والشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم. والعبادة وان كانت شكراً فانه يقارنها خضوع وتذلل. وكل ذلك يستحيل من الجماد.
ويحتمل من حيث انهم توهموا انها تضر وتنفع فقيل لهم ليس يخرج هؤلاء بذلك عن حكم الله تعالى. وقال الحسن: معناه إنها مخلوقة امثالكم. والعبد المملوك من جنس ما يعقل، لأن الثوب مملوك، ولا يسمى عبداً.
وقيل الدعاء الأول في الآية تسميتهم الاصنام آلهة كأنه قال: { إن الذين تدعون } آلهة من دون الله فاطلبوا منهم المنافع وكشف المضار، فاذا كان ذلك ميؤساً منها، فعبادتها جهل وسخف. وقوله { إن كنتم صادقين } قال الحسن: معناه في أنهم آلهة.