خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ
٢١
-الأعراف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

المقاسمة لا تكون إِلا بين اثنين، والقسم كان من ابليس لآدم، لأن آدم مقسم له. وانما قال وقاسمهما كما يقال: عاقبت اللص وطارقت النبل وناولت الرحل وعافاه الله، وكذلك قاسمته، لان في جميع ذلك معنى المقابلة، كأنه قابله في المنازعة باليمين والمعاقبة مقابلة بالجزاء وكذلك المعافاة، وقال الهذلي:

وقاسمها بالله جهدا لانتم ألَّذ من السلوى اذا ما نشورها

أي حالفها، وفي موضع آخر { قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله } } أي تحالفوا - وسئل الحسن فقيل له: أليس الله خلق آدم ليكون خليفة في الارض قال: بلى، وقال وكان لا بَّد له من ان يهبط الارض، قال: لا والله، ولكن لو هبط مطيعا لله كان خيرا له من ان يهبط عاصيا، ولم يعاتبه الله على الهبوط، وانما عاتبه على مخالفة الأمر. وأصل القسم القسمة، قال أعشى بني ثعلبة:

رضيعي لبان ثدي أم تقاسما باسحم داج عوض لا نتفرق

والقسم تأكيد الخبر بطريقة والله، وبالله، وتالله.
اخبر الله تعالى في هذه الآية ان ابليس حلف، لآدم وحواء انه لهما ناصح في دعائهما الى التناول من الشجرة ولذلك تأكدت الشبهة عندهما، وظنا ان أحداً لا يقدم على اليمين بالله إِلا صادقاً، فكان ذلك داعياً لهما الى تناول الشجرة.
ويجوز ان تقول: اني لك لناصح، ولا يجوز ان تقول: أنا لك لناصح، لان لام الابتداء موضعها صدر الكلام لا تؤخر عنه الا في باب (ان) خاصة لئلا يجتمع حرفا تأكيد في موضع واحد، فيوهم اختلاف المعنى، لان الاصل في اجتماع الحرفين في موضع انه لا ينوب احدهما عن الآخر، وتقدير الكلام، وقاسهما اني لكما ناصح، ثم فسر ذلك بقوله من الناصحين ليكون متعلقا بقوله لمن الناصحين فقدم الصلة على الموصول، ومثله قوله
{ وأنا على ذلكم من الشاهدين } وتقديره وأنا على ذلكم شاهد، وبينه بقوله من الشاهدين.