خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ
٣٥
-الأنفال

التبيان الجامع لعلوم القرآن

روى الحسين العجفي عن ابي بكر { صلاتهم } نصباً { إلا مكاء وتصدية } رفع فيهما. والصواب ما عليه القراء، لان { صلاتهم } معرفة و { مكاء وتصدية } نكرة ولا يجوز ان يجعل اسم كان نكرة وخبره معرفة. ومن قرأ كذلك فلان الصلاة لما كانت مؤنثة ولم يكن في كان علامة التأنيث اضاف الفعل إلى المذكر وهو { مكاء }. وهذا ليس بصحيح، لأن { صلاتهم } لما كان مضافاً إلى المذكر جاز ان يذكر كما ان المذكر إذا اضيف إلى المؤنث جاز ان يؤنث، نحو قولهم: ذهبت بعض اصابعه.
ومعنى الآية الاخبار من الله تعالى أنه لم تكن صلاة هؤلاء الكفار الصادين عن المسجد الحرام { إلا مكاء } لئلا يظن ظان ان مع كونهم مصلين ومستغفرين لا يعذبهم الله، كما قال في الآية الاولى، فبين ان صلاتهم كانت مكاء وتصدية.
والمكاء صفير كصفير المكاء. وهو طائر يكون بالحجاز وله صفير قال الشاعر:

ومكا بها فكأنما يمكو بأعصم عاقل

وأصل المكاء جمع الريح للصفير. ويقال مكا يمكوا مكاء إذا صفر بفيه ومنه يمكوا است الدابة إذا انتفخت بالريح. والاست: الكوة، والمكو ان يجمع الرجل يديه ثم يدخلهما في فيه ثم يصيح. ومنه قول عنترة:

وحليل غانية تركت مجدلا تمكو فريضته كشدق الاعلم

اي يصفر بالريح لما طعنه والتصدية التصفيق يقال صدى يصدي تصدية إذا صفق بيديه. ومنه الصدى صوت الجبل، ونحوه. ومنه تصدى للملك إذا تعرض له ليكلمه. وقال ابن عباس، وابن عمر، والحسن، وعطية، ومجاهد، وقتادة والسدي: المكاء الصفير، والتصدية التصفيق، قال الراجز:

ضنت بخد وجلت عن خد فأنا من غرو الهوى أصدي

أي اصفق بيدي تعجباً. والغرو: العجب.
وقال ابو علي الجبائي: كان بعضهم يتصدى لبعض ليراه بذلك الفعل، وكان يصفر له. وقال سعيد بن جبير وابن زيد: التصدية صدهم عن البيت الحرام. وقيل: إنهم كانوا يخلطون ويشوشون بذلك على النبي صلى الله عليه وآله.
وإنما سمي مكاؤهم بأنه صلاة لأمرين:
احدهما - انهم كانوا يقيمونه فعلهم الصفير والتصفيق مقام الصلاة والدعاء والتسبيح.
والاخر - انهم كانوا يعملون كعمل الصلاة مما فيه هذا.
وقوله { فذوقوا العذاب } قال الحسن، والضحاك، وابن جريج، وابن اسحاق: إن معناه عذاب السيف. وقال ابو علي الجبائي: يقال لهم في الاخرة { ذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون } في دار الدنيا وهو قول البلخي. والمعنى باشروه وليس المراد به من ذوق الفم.