خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٤١
-الأنفال

التبيان الجامع لعلوم القرآن

الغنيمة ما اخذ من اموال اهل الحرب من الكفار بقتال. وهي هبة من الله تعالى للمسلمين. والفيء ما اخذ بغير قتال في قول عطا بن السائب، وسفيان الثوري وهو قول الشافعي، وهو المروي في اخبارنا.
وقال قوم: الفيء والغنيمة واحد. وقالوا إن هذه الاية ناسخة للتي في الحشر من قوله
{ { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى، فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } لأنه بين في هذه الآية ان الأربعة اخماس للمقاتلة. وعلى القول الأول لا يحتاج إلى هذا، وعند اصحابنا ان مال الفيء للامام خاصة يفرقه فيمن شاء بعضه في مؤنة نفسه وذوي قرابته. واليتامى والمساكين وابن السبيل من اهل بيت رسول الله ليس لسائر الناس فيه شيء. واما خمس الغنيمة، فانه يقسم عندنا ستة اقسام: فسهم لله، وسهم لرسوله للنبي، وهذان السهمان مع سهم ذي القربى، للقائم مقام النبي صلى الله عليه وآله ينفقها على نفسه وأهل بيته من بني هاشم، وسهم لليتامى: وسهم للمساكين: وسهم لأبناء السبيل من أهل بيت الرسول لا يشركهم فيها باقي الناس لأن الله تعالى عوضهم ذلك عما اباح لفقراء المسلمين ومساكينهم وابناء سبيلهم من الصدقات إذا كانت الصدقات محرمة على أهل بيت الرسول عليهم السلام وهو قول علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ومحمد بن على الباقر ابنه عليهم السلام رواه الطبري باسناده عنهما.
وقال الحسين بن علي المغربي حاكياً عن الصابوني من اصحابنا، إن هؤلاء الثلاثة فرق لا يدخلون في سهم ذي القربى وإن كان عموم اللفظ يقتضيه، لأن سهامهم مفردة، وهو الظاهر من المذهب. والذين يستحقون الخمس عندنا من كان من ولد عبد المطلب، لأن هاشماً لم يعقب إلا منه: من الطالبيين والعباسيين والحارثيين واللهبيين، فاما ولد عبد مناف من المطلبيين، فلا شيء لهم فيه، وعند اصحابنا الخمس يجب في كل فائدة تحصل للانسان من المكاسب وأرباح التجارات والكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك مما ذكرناه في كتب الفقه.
ويمكن الاستدلال على ذلك بهذه الآية، لأن جميع ذلك يسمى غنيمة.
وقال ابن عباس، وابراهيم، وقتادة، وعطا: الخمس يقسم خمسة أقسام فسهم الله وسهم الرسول واحد.
وقال قوم: يقسم أربعة أقسام سهم لبني هاشم وثلاثة للذين ذكروا بعد ذلك من سائر المسلمين، ذهب اليه الشافعي.
وقال اهل العراق: يقسم الخمس ثلاثة اقسام، لان سهم الرسول صرفه الأئمة الأربعة إلى الكراع والسلاح.
وقال مالك: يقسم على ما ذكره الله. ويجوز للامام ان يخرج عنهم حسب ما يراه وإنما جاء على طريق الاولى في بعض الاحوال.
وقال ابو العالية - وهو رجل من صالحي التابعين - يقسم ستة اقسام، فسهم الله للكعبة، والباقي لمن ذكر بعد ذلك.
وقال ابن عباس ومجاهد: ذو القربى هم بنو هاشم، وقد بينا نحن ان المراد بذي القربى اهل بيت النبي صلى الله عليه وآله: وبعد النبي القائم مقامه، وبه قال علي بن الحسين عليه السلام وروى جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وآله انهم بنو هاشم، وبنوا المطلب واختاره الشافعي وقال الحسن وقتادة: سهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربى لولي الأمر من بعده وهو مثل مذهبنا. وقال ابو علي الجبائي: إن الأئمة الأربعة جعلوا سهم الرسول وذي القربى في الكراع والسلاح واجمعوا على ان سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل شائع في الناس بخلاف ما قلناه.
واليتيم من مات أبوه وهو صغير قبل البلوغ. وكل حيوان يتيم من قيل أمه إلا ابن آدم، فانه من قبل ابيه.
واما ابن السبيل، فهو المنقطع به في سفره. وإنما قيل ابن السبيل بمعنى اخرجه إلى هذا المستقر، كما يخرجه ابوه من مستقره لقي محتاجاً.
والمسكين المحتاج الذي من شأنه ان تسكنه الحاجة عما ينهض به الغنى.
وقوله { فأن الله خمسه } قيل في فتح (أن) قولان: احدهما - فعلى ان لله خمسه وحذف حرف الجر فنصب. الثاني - انه عطف على (أن) الاولى وحذف خبر الأولى لدلالة الكلام عليه، وتقديره اعلموا ان ما غنمتم من شيء يجب قسمته واعلموا ان لله خمسه. قال الفراء: إنه جزاء بمنزلة
{ { ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالداً } قال الرماني: هذا غلط لأن (أن) لا تدخل على الجزاء إلا مع العماد، كما لا تدخل (أن) إلا على هذا الوجه.
وقوله { إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان } معناه اعلموا أنما غنمتم من شيء لهؤلاء الذين ذكرناهم ان كنتم مؤمنين بالله مصدقين له في اخباره وما انزله على عبده محمد صلى الله عليه وآله من القرآن.
وقال الزجاج يجوز ان يكون قوله { إن كنتم آمنتم بالله } متعلقاً بقوله { فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير. إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان } اي فايقنوا ان الله ناصركم إذ كنتم شاهدتم من نصره ما شاهدتم. ومعنى { يوم الفرقان يوم التقى الجمعان } يوم بدر وسمي يوم الفرقان لانه تميز اهل الحق مع قلة عددهم من المشركين مع كثرة عددهم بنصر الله المؤمنين. وقيل كان يوم السابع عشر من شهر رمضان وقيل التاسع عشر، سنة اثنتين من الهجرة؟ وهو المروي عن ابي عبد الله عليه السلام ثم قال { والله على كل شيء قدير } اي هو قادر على مجازاة من اطاعه بجزيل الثواب، وعلى عقاب من عصاه بأليم العذاب.