خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٦٧
-الأنفال

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل البصرة وابن شاهي { أن تكون } بالتاء. الباقون بالياء. وقرأ ابو جعفر { أسارى } ومن الاسارى - بفتح الهمزة منهما وبألف بعد السين - وافقه ابو عمرو في الثاني. الباقون بفتح الهمزة وسكون السين من غير الف فيهما.
من قرأ بالتاء فلان لفظ الأسرى لفظ التأنيث، فحمله على اللفظ.
ومن قرأ بالياء فلان الفعل متقدم والأسرى المراد به المذكورون. وايضاً فقد وقع الفصل بين الفعل والفاعل وكل واحد من ذلك إذا انفرد يذكر الفعل معه، مثل جاء الرجل وحضر القاضي امرأة، فاذا اجتمعت هذه الاشياء كان التذكير اولى. واختار الأخفش التذكير. وقال ابو علي الفارسي: الأسرى اقيس من الأسارى لأن اسير فعيل بمعنى مفعول، وما كان كذلك لا يجمع بالواو والنون، ولا بالالف والتاء. وإنما يجمع على فعلى مثل جريح وجرحى وقتيل وقتلى وعفير وعفرى، ولديغ ولدغى، وكذلك لك من اصيب في بدنه مثل مريض ومرضى واحمق وحمقى وسكران وسكرى. ومن قرأ اسارى شبهه بكسالى وقالوا كسلى شبهوه باسرى. واسارى في جمع اسير ليس على بابه، وقال ابو الحسن: الاسرى ما لم يكن موثقاً والاسارى موثوقون. قال: والعرب لا تعرف ذلك بل هما عندهم سواء. وقال الأزهري: الاسارى جمع اسرى فهو جمع الجمع، والأسر الشد على المحارب بما يصير به في قبضة الأخذ له. واصله الشد، يقال: قتب مأسور اي مشدود وكانوا يشدون الاسير بالفداء.
والمعنى: ما كان لنبي ان يحبس كافراً للفداء والمن حتى يثخن في الأرض، والاثخان في الأرض تغليظ الحال بكثرة القتل. وقال مجاهد: الاثخان القتل. والثخن والغلظ والكثافة نظائر. وقوله { يريدون عرض الدنيا } يعني تريدون الفداء والعرض متاع الدنيا وسماه عرضاً لقلة لبثه لانه بمعنى العرض في اللغة.
وقوله { والله يريد الآخرة } معناه والله يريد عمل الاخرة من الطاعات التي تؤدي إلى الثواب وإرادة الله لنا خير من إرادتنا لانفسنا.
وقوله { والله عزيز حكيم } معناه يريد عمل الاخرة، فانه يعزكم ويرشدكم إلى اصلاحكم، لانه عزيز حكيم، فلا تخافوا قهراً مع إعزازه اياكم.
وهذه الاية نزلت في اسارى بدر قبل ان يكثر الاسلام، فلما كثر المسلمون قال الله تعالى
{ { فإما مناً بعد وإما فداء } وهو قول ابن عباس وقتادة. وقال فادوهم بأربعة آلاف، وفي الاية دليل على بطلان مذهب المجبرة لانه تعالى فصل إرادة نفسه من إرادتهم، ولو كان يريد ما ارادوه لم يصح هذا الفعل من التفصيل.
فان قيل: كيف يكون القتل فيهم كان اصلح وقد اسلم منهم جماعة، ومن علم الله من حاله انه يؤمن يجب تبقيته؟! قلنا: في ذلك خلاف، فمن قال: لا يجب ذلك لا يلزمه السؤال. ومن قال: ذلك اوجب قال: ان الله اراد ان يأمرهم بأخذ الفداء وإنما عاتبهم على ذلك لانهم بادروا اليه قبل ان يؤمروا به.