خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
١٦
-السجدة

تفسير صدر المتألهين

"التجافي عن المضاجع" ظاهراً، تنحّي أبدانهم عن الفراش ومواضع النوم لصلاة الليل، لأنهم المتهجدون بالليل القائمون عن مواضعهم للصلاة، عن الحسن ومجاهد وعطا، وهو المروي عن أبي جعفر وابي عبد الله (عليه السلام).
وباطناً تنحي أرواحهم بحسب قواهم العملية عن الغواشي الطبيعية والشواغل الجسمية، التي تلي الجنبة السافلة منها، والقيام عن المضاجع البدنية والخروج عن عالم الأجسام بقطع التعلقات ومحو الآثار، أو عن عالم الإمكان بمحو الصفات.
روى الواحدي باسناده
"عن معاذ بن جبل قال: بينا نحن مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في غزوة تبوك، وقد أصابنا الحر فتفرق القوم، فإذا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أقربهم مني، فدنوتُ منه فقلت: يا رسول الله! أنبئني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار.
قال: سألت عن عظيم، وانه ليسير على من يسّره الله تعالى عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان.
قال: وان شئت أنبأتك بأبواب الجنة؟
قال: قلت: أجل يا رسول الله.
قال: الصوم جُنة، والصدقة تكفّر الخطيئة، وقيام الرجل في جوف الليل يبتغي وجه الله تعالى - ثم قرأ هذه الآية -"
.
وقيل: نزلت في الذين لا ينامون حتى يصلّوا العشاء الآخرة.
وعن أنس: نزلت فينا معاشر الأنصار، كنا نصلي المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء الآخرة مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
وقيل: هم الذين يصلون ما بين المغرب والعشاء الآخرة، وهي صلاة الأوّابين.
وأما دعاؤهم ربهم: فهو توجههم إلى التوحيد ومقام العندية، وعبادتهم بمقتضى العبودية خوفاً من سخط الله والتردي في مهوى الطرد والبعد، أو من جهة الاحتجاب بصفات النفس، وطمعاً في بقاء ذاته - ان كان من المقرّبين -، وفي رحمة الله وجناته، - ان كان من أهل العمل -.
وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم):
"إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة، جاء مناد ينادي بصوت يسمع الخلائق كلهم: سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم.
ثم يرجع فينادي: ليَقُم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع، فيقومون وهم قليل.
ثم يرجع فينادي: ليقم الذين كانوا يحمدون الله في البأساء والضرّاء، فيقومون وهم قليل، فَيُسَرّحون جميعاً إلى الجنة، ثم يحاسب سائر الناس"
.
وأما إنفاقهم مما رُزقوا: فهو إيتاؤهم الزكاة من المال، وتعليمهم المعارف والحقائق على أهل الاستعداد.