خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ
١٨
-يس

تفسير صدر المتألهين

لما عجزوا عن إلزام الرسل، وسكتوا عن إقامة العذر عن قبول دعوتهم، ولم يبقَ لهم مهرب عن ذلك، تشبّثوا بذيل النفس والدنيا، وأقرّوا بالعجز عن ترك هذا الأدنى، وتعلّلوا أعذارهم في عدم الإيمان بالرسل، وقبول دعوة التكليف، بأن صحبة الهداة والمذكّرين شؤم لهم. ثم ما اكتفوا بذلك، حتى قابلوا أهل الله بالمجاهدة بالنزاع، والمخاصمة والرّجم والإيلام الشديد.
وذلك كله لفساد العقل، ومحبة الباطل، وطاعة الهوى، وقبول دعوة الشيطان، لأن الشيطان يعدهم الفقر ويأمرهم بالفحشاء وسوء الظن بالله، وترْكِ التوكل وتكذيب الرسل، والاعراض عن الحق والإقبال على الخلق، وانقطاع الرجاء من الله، ومتابعة الشهوات، ومواصلة السيئآت، وإيثار الحظوظ، وترك العفة والقناعة، والتمسك بالملوك والظَّلَمَة، وتعلّق القلب بحب الدنيا، وهو رأس كل خطيئة، وبذر كل بليّة.
فهذه كلها وأضعافها، من فروع وسوسة الشيطان، وترويجه الباطل في معرض الحق، فمن فتح على قلبه باب وسوسة الشيطان وترويجه، ولم يقمع فساده وشرّه عن قلبه، بالعقل الكامل، والبرهان النّير القدسي، الدالّ على خسّة الدنيا وحقارة طالبيها، أو بالسماع من أهل الله وأصحاب القلوب، المذكورين لخساسة الدنيا وزوالها، ووخامة عاقبة شهوة النفس وَوَبالها، فسوف يبتلى بهذه الآفات، ويقع في عرضة هذه البليّات، التي من جملتها التشؤم بصحبة الفقراء وأهل الدين، الذين هم ملوك الآخرة وسلاطينها، وخِدمتهم مفتاح أبواب الرحمة والسعادة، والوصولُ إلى صحبتهم مقصودُ الأولياء ومجهودُهم في الدعاء، كما في الصحيفة المَلَكوتية، لمولانا وسيدنا، زين العابدين، وسيد الساجدين، علي بن الحسين (عليهما السلام) من قوله: "اللهم حبّب إليَّ صحبة الفقراء، وأعنّي على صحبتهم بحسن الصبر".
وقد أمر الله سبحانه، حبيبه (صلى الله عليه وآله) بصحبتهم، وحسن معاشرتهم، والصبر معهم، والإطالة في مجالستهم بقوله:
{ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم } [الكهف:28] الآية. لأن في صحبتهم خير الدارين، وفي صحبة الجهّال وأهل الترفّه والتنعم شر الدارين، وصرف العمر في هوى النفس وطاعة الشيطان، وفساد الآخرة وَوَبالها، لِشؤْمِ اقتران عَبَدَة الهوى والأوثان، ولهذا قال حكايةً عن جواب رُسُله لأعدائه:
{ قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَإِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } [يس:19]: