خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ
٢٩
-يس

تفسير صدر المتألهين

{ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً }
أي ما كانت الأخْذَةُ أو العقوبة لأهل القرية، إلاّ صَيْحَةً واحدة، أهلكوا بها دفعة واحدة، كفجأة ونحوها بنوع واحد من الهلاك بحسب ما يستدعيه حالهم وأعمالهم.
وقرأ أبو جعفر المدني بالرفع، أي ما وقعت إلاّ صيحةٌ واحدة، فتكون "كان" على هذا الوجه تامة، لكن القياس والاستعمال. يقتضيان تذكير لفظ الفعل التام، لأن معناه: ما وقع عليه شيء إلاّ صيحة واحدة، وقد اعتذر عنه صاحب الكشاف. بأنه نظر إلى ظاهر اللفظ، وأن الصيحة في حكم فاعل الفعل، ومثلها قراءة الحسن، (فَأْصْبَحُواْ لاَ تُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ) [الأحقاف:25] وبيت ذي الرمة:

"وما بقَيت، إلاّ الضُّلُوعُ الجَراشِع"

والأمر فيه هيّن.
وقراءة ابن مسعود: "الأزقية واحدة" من "زقا الطائر يزقو ويزقي" إذا صاح، ومنه المثل: "أَثَقَلُ من الزواقي"، وبالجملة، كان هلاكهم عن آخرهم بأيسر أمر، صِيحَتْ عليهم بأجمعهم صيحة واحدة، حتى هلكوا جميعاً.
{ فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } [29]:
كما تخمد النار فتعود رماداً، قيل: إنهم لما قتلوا حبيب النجّار، غضب الله عليهم، فبعث جبرئيل حتى أخذ بعضادة باب المدينة، ثم صاح بهم صيحة، فماتوا عن آخرهم، لا يسمع لهم حِسٌّ كالنار إذا انطفأت.
وفي قوله تعالى: "خامدون"، استعارة لطيفة، حيث شبَّه الروح الإنساني القائم بالطبيعة البشرية، بنار اشتعلت من فتيلة، ثم أثبت له الخمود الحاصل للفتيلة في بعض الأوقات، من النفخ الحاصل من الفم الإنساني، في نحو الأنبوبة وغيرها، وربما يكون معه صوت، ولأجل ذلك، عبَّر عن إهلاك النفوس بالنَّفْخ، كما في قوله:
{ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } [يس:51] وكذا عن إحيائها، لأن بالنفخ كما تخمد النار كذلك قد تشتعل، على حسب اختلاف أنحاء النفخ، وهذا من سوانح وقت كتابتي هذه، ولم أرهُ في كلام أحد.