خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
١٢٤
ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ
١٢٥
-النحل

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (124) إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }.
القميّ وذلك أنّ موسى عليه السلام أمَر قومَه أن يتفرّغوا إلى الله في كلّ سبعة أيّام يوماً يجعله الله عليهِم وهم الذينَ اختلفوا فيه.
أقول: قد سبق قصتهم في سورة الأعراف.
{ (125) ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ } بالمقالة المحكمة الصحيحَة الموضحة للحقّ المزيحةِ للشبهة هذا للخواصِّ { وَالمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ } الخطابات المقنعة والعبر النّافعة التي لا يخفى عليهم أنّك تناصحهم بها وتنفعهم فيها وهذا للعوامّ { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ } بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة وهذا للمعاندين والجاحدين.
في الكافي والقميّ عن الصادق عليه السلام يعني بالقرآن.
وفي الاحتجاج وتفسير الإِمام عليه السلام عند قوله تعالى قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين من سورة البقرة ذكر عند الصادق عليه السلام الجدال في الدين وانّ رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام نهوا عنه فقال الصادق عليه السلام لم ينه مطلقاً ولكنّه نهى عن الجدال بغير الّتي هي أحسن أما تسمعون قوله تعالى ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالّتي هي أحسن وقوله تعالى ادع إلى سَبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أَحسَنْ فالجدال بالتي هي أحسن قد أمر به العلماء بالدين والجدال بغير التي هي أحسن محرّم حرّمه الله على شيعتِنا وكيف يحرّم الله الجدال جُمْلةً وهو يقول وقالوا لن يدخل الجنّة إلا من كان هوداً أو نصارى قال الله تعالى تلك أمانّيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين فجعل علم الصدق والإيمان بالبرهان وهل يؤتى بالبرهان إلا في الجدال بالتي هي وأحسن قيل يا ابن رسول الله فما الجدال بالتي هي أحسن والتي ليست بأحسن قال أمّا الجدال بغير التي هي أحسن فان تجادل مبطلاً فيورد عليك باطلاً فلا تردّه بحجّة قد نَصَبَهَا الله ولكن تجحدُ حقّاً تريد بذلك المبطل أن يعين به باطله فتجحد ذلك الحقّ مخافة أن يكون عليك في حجّة لأنّك لا تدري كيف المخلص منه فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاءِ اخوانهم وعلى المبطلين أمّا المبطلون فيجعلون ضعف الضّعيف منكم إذا تعاطى مجادلته وضعف في يده حجّة له على باطله وأمّا الضعفاء فتغتمّ قلوبهم لما يرون من ضعف المحقّ في يد المبطل وأمّا الجدال بالتي هي أحسن وهو ما أمر الله به نبيّه أن يجادل به من جحد البَعث بعد الموتِ واحياءِ الله تعالى له فقال الله له حاكياً عنه وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم وقال الله في الردّ عليه قل يا محمد يُحييهَا الذي أنشأها أوّل مرّة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً إلى آخر السورة فأراد الله من نبيّه أن يجادل المبطل الذي قال كيف يجوز أن يبعث هذه العظام وهي رميم فقال الله قل يحييهَا الذي أنشأها أوّل مرّة أفيعجز من ابتدائه لا من شيء أن يعيده بعد أن يبلى بل ابتداؤه أصعب عندكم من اعادته ثم قال الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فاذا أنتم منه توقدون أي إذا كمن [تكن خ ل] النّار الحارة في الشجر الأخضر الرّطب يستخرجها فعّرفكم أنّه على اعادة ما بلى أقدرتم قال أو ليس الذي خَلقَ السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاّق العليم إذا كان خلق السماوات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم أن تقدروا عليه من اعادة البالي فكيف جوّزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم والأصعب لديكم ولم تجوّزُوا منه ما هو أسهل عندكم من اعادة البالي قال الصادق عليه السلام فهذا الجدال بالّتي هي أحسن لأنّ فيها قطع عذر الكافرين وازالة شبهتهم وأمّا الجدال بغير التي هي أحسن فان تجحد حقّاً لا يمكنك أن تفّرق بينه وبين باطل من تجادله وإنّما تدفعه عن باطله بأن تجحَد الحق فهذا هو المحرّم لأنّك مثله جحد هو حقّاً وجحدت أنت حقّاً آخر { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } أي ليس عَليك أن تهديهم ولا أن تردّهم عن الضّلالة وإنّما عليك البلاغ فمن كان فيه خير كفاه البُرهان والوعظ ومن لا خير فيه عجزت عنه الحيل فكأنّك تضرب منه في حديد بارد.