خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

تَٱللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٦٣
وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٦٤
وَٱللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ
٦٥
وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ
٦٦
وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
٦٧
وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ
٦٨
ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ فَٱسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
٦٩
-النحل

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (63) تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إلى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أعْمالَهُمْ } فأصَرّوا على قبايحها وكفَرُوا بالمرسلين { فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ } قرينهم أو ناصرهم يعني لا ناصر لهم { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }. { (64) وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ } من المبدءِ والمعاد والحلال والحرام { وَهُدىً وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }.
{ (65) وَاللهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } أنبت فيها أنواع النبات بعد يبسها { إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } سماع تدبّر وانصاف.
{ (66) وَإِنَّ لَكُمْ في الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً } يعبر بها من الجهل إلى العلم { نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ } تذكير الضمير هاهنا باعتبار اللفظ وتأنيثه في سورة المؤمنين باعتبار المعنى لكونه اسم جمع { مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً } يكتنفانه { خَالِصاً } صافياً لا يستصحبُ لون الدم ولا رائحة الفرث ولا يشوبانه شيئاً.
القميّ قال الفرث ما في الكرش { سَائِغاً لِّلشَّارِبِينَ } سهل المرور في حلقهم.
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم
"ليس أحد يغصّ بشرب اللّبن لأنّ الله عزّ وجلّ يقول لبناً خالصاً سائغاً للشاربين" .
{ (67) وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ والأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً } قيل خمراً.
والقميّ الخلّ والعياشي عن الصادق عليه السلام أنها نزلت قبل آية التحريم فنسخت بها وفيه دلالة على أنّ المراد به الخمر وقد جاء بالمعنين جميعاً وعلى ارادة الخمر لا يستلزم حلّها في وقت الجواز أن يكون عتاباً ومنّة قبل بيان تحريمها ومعنى النّسخ نسخ السكوت فلا ينافي ما جاءَ في أنّها لم تكن حلالاً قطّ وفي مقابلتها بالرّزق الحَسَن تنبيه على قبحها { وَرِزْقاً حَسَناً } كالتمر والزّبيب والدّبس { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }.
{ (68) وَأَوْحَى رَبُّكَ إلى النَّحْلِ } ألَهمَها وقذف في قلوبها فان صنعتها الأنيقة ولطفها في تدبير أمرها ودقيق نظرها شواهد بيّنة على أنّ الله تعالى أودَعَها علماً بذلك.
القميّ قال وحي إلهام.
والعياشي عن الباقر عليه السلام مثله { أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً ومِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } يعرش الناس من كرم أو سقفٍ. { (69) ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ } من كل ثمرة تشتهيها حلوها ومرّها { فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ } الطرق التي ألهمكِ في عمل العَسَل { ذُلُلاً } مذللة ذللها وسهلها لكِ أو أنت منقادة لما أمرتِ به { يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ } يعني العَسَل فانّه مما يشرب { مُّخْتَلِفٌ الْوَانُهُ } أبيض وأصفر وأحمر وأسود { فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ }.
في الكافي والخصال عن أميرالمؤمنين عليه السلام لعق العسل شفاء من كلّ داءٍ ثم تلا هذه الآية قال وهو مع قراءة القرآن ومضغ اللسان يذيب البلغم.
وفي العيون عنه عليه السلام ثلاثة يزدن في الحفظ ويذهبن بالبلغم وذكر هذه الثلاثة.
وعن النّبي صلىَّ الله عليه وآله وسلم
"إِن يكن في شيء شفاء ففي شرطة الحجّام وفي شربة عسل" .
وعنه عليه السلام لا تردّوا شربة عسل من أتاكم بها وقد سبق في أوّل سورة النساءِ حديث في الاستشفاء به في المجمع في النّحل والعَسَل وجوه من الاعتبار منها اختصاصة بخروج العَسَل من فيه ومنها جعل الشّفاء من موضع السّمّ فان النحل يلسع ومنها ما ركّب الله من البدايع والعجايب فيه وفي طباعه ومن أعجبها أن جعل سبحانه لكل فئة منه يعسوباً هو أميرها يقدمها ويحامي عنها ويدبّر أمرها ويسوسها وهي تتبعه وتقتفي أثره ومتى فقدته اختلّ نظامها وزال قوامها وتفرّقت شذر مذر إلى هذا المعنى فيما أخال. أشار علي أمير المؤمنين عليه السلام في قوله انا يعسوب المؤمنين.
والقميّ عن الصادق عليه السلام نحن والله النّحل الذي أوحى الله إليه أن اتخذي من الجبال بيوتاً أمرنا أن نتخذ من العرب شيعة ومن الشجر يقول من العجم وممّا يعرشون يقول من الموالي والذي يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه أي العلم الذي يخرج منّا إليكم.
والعياشي عنه عليه السلام النحل الائمّة والجبال العرب والشّجر الموالي عتاقه ومنها يعرشون يعني الأولاد والعبيد ممّن لم يعتق وهو يتولى الله ورسوله والائمّة والثمرات المختلفة ألوانه فنون العلم الذي يعلّم الأئمّة شيعتهم فيه شفاء للناس والشيعة هم الناس وغيرهم الله أعلم بهم ما هم ولو كان كما تزعم أنّه العسل الذي يأكله الناس إذاً ما أكل منه ولا شرب ذو عاهة إلاّ شفِي لقول الله تعالى فيه شفاء للناس ولا خلف لقول الله وإنّما الشفاء في علم القرآن وننّزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة لأهله لا شكّ فيه ولا مرية وأهله أئمّة الهدى الذين قال الله ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصْطَفينا من عبادنا { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }.