خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ
١
-الإسراء

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (1) سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } أي إلى ملكوت المسجد الأقصى الذي هو في السّماءِ كما يظهر من الأخبار الآتِيَةِ { لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ } لأقوال عبده { الْبَصِيرُ } لأفعاله.
القميّ عن الباقر عليه السلام أنّه كان جالساً في المسجد الحرام فنظر إلى السّماءِ مرّة وإلى الكعبة مرّة ثم قال سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وكرّر ذلك ثلاث مّرات ثم التفت إلى اسماعيل الجُعفي فقال أيّ شيء يقولون أهل العراق في هذه الآية يا عراقي قال يقولون أسرى به من المسجد الحرام إلى بيت المقدس فقال ليس كما يقولون ولكنّه أسرى به من هذه إلى هذه وأشار بيده إلى السّماءِ وقال ما بينهما حرم.
والعيّاشي عن الصادق عليه السلام أنّه سئل عن المساجد التي لها الفضل فقال المسجد الحرام ومسجد الرّسُول قيل والمسجد الأقصى فقال ذاك في السّماء إليه أسرى رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم فقيل إنّ الناس يقولون انه بيت المقدس فقال مسجد الكوفة أفضل منه.
وفي الكافي عنه عليه السلام أنّه سئل كم عَرَج برسُول الله صلىَّ الله عليه وآلهِ وسلم فقال مرّتين.
والكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام أتى جبرئيل رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم بالبراق أصغر من البغل وأكبر من الحمار مضطرب الأذنين عينيه في حافره وخطاه مدّ بصره.
وزاد في الكافي فاذا انتهى إلى جبل قصرت يداه وطالت رجلاه فاذا هبط طالت يداه وقصرت رجلاه أهدب العُرف الأيمن له جناحان من خلفه.
وفي العيون عن النّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم
"أنّ الله تعالى سخّر لي البراق وهي دابّة من دوابّ الجنّةِ ليست بالقصير ولا بالطّويل فلو أن الله أذن لها لجالت الدّنيا والآخِرة في جرية واحدة وهي أحسن الدّوابّ لوناً " .
والقمّي عن الصادق عليه السلام "جاء جبرئيل وميكائيل واسرافيل بالبراق إلى رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم فأخذ واحد باللجام وواحد بالركاب وسوّى الآخر عليه ثيابة فتضعضعت البراق فلطمها جبرئيل ثم قال أسكني يا براق فما ركبك نبيّ قبله ولا يركبك بعده مثله قال فترقّت به ورفعته ارتفاعاً ليس بالكثير ومعه جبرئيل عليه السلام يريه الآيات من السّماءِ والأرض قال صلىَّ الله عليه وآله وسلم فبينا أنا في مسيرتي إذ نادى مناد عن يميني يا محمّد فلم أجبه ولم ألتفت إليه ثم نادى مناد عن يساري يا محمّد فلم أجبه ولم ألتفت إليه ثم استقبلتني امرأة كاشفة عن ذراعيها عليها من كلّ زينة الدنيا فقالت يا محمّد انتظرني حتّى أكلّمك فلم ألتفت إليها ثمّ سرت فسمعت صوتاً أفزعني فجاوزته فنزل بي جبرئيل فقال صلّ فصَلّيْت فقال لي تدري أين صَلّيت فقلت لا فقال صلّيت بطيبة وإليها مهاجرك ثمّ ركبت فمضينا ما شاء الله ثم قال لي إنزل فصلّ فصلّيت فقال لي تدري أين صلّيتَ فقلت لا فقال صلّيت بطور سيناء حيثّ كلّم الله موسى تكليماً ثمّ ركبت فمضَينا ما شاء الله ثم قال لي انزل فصلّ فنزلت وصلّيت فقال لي تدري أينَ صَلّيتَ فقلت لا قال صلّيت ببيت لحم وبيت لحم بناحية بيت المقدس حيث ولد عيسى بن مريم عليه السلام ثمّ ركبت فمضينا حتى انتهينا إلى بيت المقدس فربطت البراق بالحلقة التي كانت الأنبياء يربطون بها فدخلت المسجد ومعي جبرئيل إلى جنبي فوجدنا إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام فيمن شاء الله من أنبياء الله فقد جمعُوا إليّ وأقيمت الصلاة ولا أشكّ إلاّ وجبرئيل سيتقدّمنا فلما استووا أخذ جبرئيل بعضدي فقدّمني وأممتهم ولا فخر ثم أتاني الخازن بثلاثة أوان إناء فيه لبن وإناء فيه ماء وإناء فيه خمر وسمعت قائلاً يقول ان أخذ الماء غرق وغرقت أمّته وان أخذ الخمر غوي وغويت أمتّه وان أخذ اللّبن هدي وهديت أمّته قال فأخذت اللبن وشرِبت منه فقال لي جبرئيل هديت وهديت أمّتك ثم قال لي ماذا رأيت في مَسيرك فقلتُ ناداني مناد عن يميني فقال لي أَوَ أَجَبْتَه فقلت لا ولم التفت إليه فقال ذلك داعي اليهود ولو أَجَبْتَه لتهوّدت أمّتك من بعدك ثم قال ماذا رأيت فقلت ناداني مناد عن يساري فقال لي أو أجبته فقلت لا ولم ألتفت إليه فقال ذلك داعي النّصارى ولو أجبته لتنصرّت أمّتك من بعدك ثم قال ماذا استقبلك فقلت لقيت امرأة كاشفة عن ذراعيها عليها من كلّ زينة الدنيا فقالت يا محمّد انتظرني حتى أكلّمك فقال أَوَكَلّمتها فقلت لم أكلّمها ولم ألتفت إليها فقال تلك الدنيا ولو كلّمتها لاختارت أمّتكَ الدنيا على الآخِرة ثم سمعت صَوتاً أفزعني فقال لي جبرئيل تسمع يا محمد قلت نعم قال هذه صخرة قذفتها على شفير جهنّم منذ سبعين عاماً فهذا حين استقرت قالوا فما ضحك رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم حتّى قبض قال فصعد جبرئيل وصعدت معه إلى السّماءِ الدنيا وعليها ملك يقال اسماعيل وهو صاحب الخطفة التي قال الله تعالى إلاّ مَن خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقبٌ وتحته سبعون ألف ملك تحت كلّ ملك سبعون ألف ملك فقال يا جبرئيل من هذا مَعَكَ فقال محمّد صلىَّ الله عليه وآله وسلم قال وقد بعث قال نعم ثمّ فتح الباب فسلّمت عليه وسلّم عليّ واستغفرت له واستغفر لي وقال مرحباً بالأخ الصالح والنّبيّ الصالح وتلقّتني الملائكة حتى دخلت السماء الدنيا فما لقيني ملك إلاّ ضاحك مستبشر حتى لقيني ملك من الملائكة لم أَرَى خلقاً أعظم منه كريه المنظر ظاهر الغضب فقال لي مثل ما قالوا من الدعاء إلاّ أنّه لم يضحك ولم أر فيه من الاستبشار ما رأيت ممّن ضحك من الملائكة فقلت من هذا يا جبرئيل فانّي قد فزعت منه فقال لي يجوز أن يفزع منه فكلّنا نفزع منه إنّ هذا مالك خازن النّار لم يضحك قطّ ولم يزل منذ ولاّه الله جهنّم يزداد كل يوم غضباً وغيظاً على أعداءِ الله وأهل معصيته فينتقم الله به منهم ولو ضحك إلى أحد كان قبلك أو كان ضاحكاً إلى أحد بعدك لضحك إليك ولكنه لا يضحك فسلّمت عليه فرد السلام عليّ وبشّرني بالجنّة فقلت لجبرئيل وجبرئيل بالمكان الذي وصفه الله مطاعٍ ثم أمين ألا تأمره أن يريني النّار فقال له جبرئيل يا مالك أرِ محمّداً النّار فكشف عنها غطاءً وفتح باباً منها فخرجَ منها لهب ساطع في السماء وفارت وارتفعت حتى ظننت لتتناولني ممّا رأيت فقلت يا جبرئيل قل له فليّرد عليها غطاءها فأمرها فقال ارجعي فرجعت إلى مكانها الذي خرجت عنه ثم مضيت فرأيت رجلاً آدماً جسيماً فقلت من هذا يا جبرئيل فقال هذا أبوك آدم عليه السلام فاذا هو يعرض عليه ذرّيته فيقول روح طيب وريح طيّبة من جسد طيب ثم تلا رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم سورة المطّفّفين على رأس سبع عشرة آية كلاّ إنّ كتاب الأبرار لفي علّيينّ وما أدراك ما علّيّون كتاب مرقوم يشهده المقّربُونَ إلى آخِرها قال فسلمت على أبي آدم وسلم عليّ واستغفرت له واستغفر لي وقال مرحباً بالإِبن الصالح والنّبيّ الصالح والمبعوث في الزَمَن الصالح ثم مَرَرت بملك من الملائكة جالس على مجلس وإذا جميع الدّنيا بين ركبتيه واذا بيده لوح مِن نور ينظر فيه مكتوب فيه كتاباً ينظر فيه لا يلتفت يميناً ولا شمالاً مقبلاً عليه به كهيئة الحزين فقلت من هذا يا جبرئيل فقال هذا ملك الموت دائب في قبض الأرواح فقلت يا جبرئيل أدنني منه حتى أكلّمه فأدناني منه فسلّمت عليه وقال له جبرئيل هذا نبيّ الرّحمة الذي أرسله الله إلى العباد فرحّب بي وحياني بالسلام وقال أبشر يا محمّد فانّي أرى الخير كلّه في أمّتك فقلت الحمد لِلِهِ المنّان ذي النِّعم على عباده ذلك من فضل ربّي ورحمته عليّ فقال جبرئيل هو أشدّ الملائكة عملاً فقلت أكلّ من مات أو هو ميّت فيما بعد هذا يقبض روحه فقال نعم قلت ويراهم حيث كانوا ويشهدهم بنفسه فقال نعم.
فقال ملك الموت ما الدّنيا كلها عندي فيما سخّرهَا الله لي ومكنّني عليها إلاّ كالدّرهم في كفّ الرّجل يقلّبه كيفَ يشاء وما من دار إلاّ وأنا أتصفحه كل يوم خمس مرّات وأقول إذا بكى أهل البيت على ميّتهم لا تبكوا عليه فانّ لي فيكم عودة وعودة حتى لا يبقى منكم أحد فقال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم كفى بالموت طامّة يا جبرئيل فقال جبرئيل إنّ ما بعد الموت أطمّ وأطمّ من الموت قال ثمّ مَضَيْتُ فاذا أنا بقوم بين أيديهم موائد من لحمٍ طيّب ولحم خبيث يأكلون اللّحم الخبيث ويَدَعُون الطّيّب فقلت من هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاء الذين يأكلون الحرام ويَدَعون الحلال وهم من أمّتك يا محمّد فقال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم ثمّ رأيت ملكاً مِن الملائكة جعل الله أمره عجباً نصف جسده النار ونصفه الآخر ثلجاً فلا النّار يذيب الثلج ولا الثلجُ يطفي النار وهو ينادي بصوت رفيع ويقول سبحان الذي كفّ حَرّ هذه النار فلا يذيب الثلج وكفّ برد هذا الثلج فلا يطفي حر هذه النار اللّهمّ مؤلف [يا مؤلفاً خ ل] بين الثلج والنار ألّف بين قلوب عبادكَ المؤمنين فقلت من هذا يا جبرئيل فقال هذا ملك وكله الله بأكناف السماءِ وأطرافِ الأرضين وهو أنصح ملائكة الله لأهل الأرضين من عباده المؤمنين يدعو لهم بما تسمع منه منذ خلق وملكان يناديان في السَّماء أحدهما يقول اللّهم أعط كلّ منفق خلفاً والآخر يقول اللّهم أعط كلّ مُمسك تلفاً ثم مضيت فاذا أنا بأقوام لهم مشافر كمشافر الابل يُقرَض اللحم من جنوبهم ويلقى في أفواههم فقلت من هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاءِ الهماّزون اللّمازون ثم مضيت فاذا أنا بأقوام يرضخ رؤوسهم بالصّخر فقلت من هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاءِ الذين ينامون عن صَلاة العشاء ثم مضيت فاذا أنا بأقوام يقذف النّار في أفواههم وتخرج من أدبارهم فقلت من هؤلاءِ يا جبرئيل فقال هؤلاءِ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم ناراً وسَيَصْلون سَعيراً ثم مضيت فاذا أنا بأقوام يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر من عظم بطنه فقلت من هؤلاءِ يا جبرئيل فقال هؤلاء الذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلاّ كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المسّ واذا هم بسبيل آل فرعون يعرضون عليها النّار غدوّاً وعشيّاً ويقولون ربّنا متى تقيم الساعة قال ثمّ مضيت فاذا أنا بنساء معلّقات بثُديهنّ فقلت من هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاءِ اللواتي يورثن أموال أزواجهنّ أولاد غيرهم ثم قال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم اشتدّ غضب الله على امرأة أدخلت على قوم في نسبهم من ليس منهم فاطّلع على عوراتهم وأكل خزائنهم ثم قال مررنا بملائكة من ملائكة الله عزّ وجلّ خلقهم الله كيف شاء ووضع وجوههم كيف شاء ليس شيء من أطباق أجسادهم إلاّ وهو يسبّح الله ويحمده من كلّ ناحية بأصوات مختلفة أصواتهم مرتفعة بالتحميد والبكاءِ من خشية الله فسألت جبرئيل عنهم فقال كما ترى خلقوا إنّ الملك منهُم إلى جنب صاحبه ما كلّمه قطّ ولا رفعوا رؤوسهم إلى ما فوقها ولا خفضوها إلى ما تحتها خوفاً لله وخشوعاً فسلّمت عليهم فردّوا عليّ بايماء رؤوسهم لا ينظرون إليّ من الخشوع فقال لهم جبرئيل هذا محمّد صلىَّ الله عليه وآله وسلم نبيّ الرّحمة أرسله الله على العباد رسولاً ونبيّاً وهو خاتم النّبوّة وسيّدهم أفلا تكلّموه قال فلّما سمعوا ذلك من جبرئيل أقبلوا عليّ بالسلام وأكرموني وبشّروني بالخير لي ولأمّتي قال ثم صعدنا إلى السماء الثانية فاذا فيها رجلان متشابهان فقلت من هذا يا جبرئيل قال ابنا الخالة يحيى وعيسى فسلّمت عليهما وسلّما عليّ واستغفرت لهما واستغفرا لي وقالا مرحباً بالأخ الصالح والنّبيّ الصالح وإذا فيها من الملائكة وعليهم الخشوع وقد وضع الله وجوههم كيف شاء ليس منهم ملك إلاّ يسبّح الله ويحمده باصوات مختلفة ثمّ صعدنا إلى السماء الثالثة فاذا فيها رجل فضل حسنه سائر الخلق كفضل قمر ليلة البدر على سائر النجوم فقلت من هذا يا جبرئيل فقال هذا أخوك يوسف فسلّمت عليه وسلّم عليّ واستغفرت له واستغفر لي وقال مرحباً بالأخ الصالح والنّبيّ الصالح والمبعوث في الزمن الصالح واذا فيها ملائكة من الخشوع مثل ما وصف في السماء الأولى والسماء الثانية فقال لهم جبرئيل في أمري ما قال للآخرينَ وصنعوا بي مثل ما صنع الآخرون ثم صعدنا إلى السماءِ الرابعةِ وإذا فيها رجل فقلت من هذا يا جبرئيل فقال هذا إدريس رفعه الله مكاناً عليّاً فسلّمت عليه وسلّم عليّ واستغفرت له وَاستغفر لي واذا فيها من الملائكة عليهم الخشوع مثل ما في السَّماوات فبشّروني بالخير لي ولأمّتي ثم رأيت ملكاً جالساً على سرير تحت يديه سبعون ألف ملك تحت كل ملك سبعون ألف ملك فوقع في نفس رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم أنّه هو فصاح به جبرئيل فقال قم فهو قائم إلى يوم القيامة ثم صعدنا إلى السماءِ الخامسة فاذا فيه رجل كهل عظيم العين لم أرَى كهلاً أكهل منه حوله ثلّة من أمّتهِ فأعجَبَني كثرتهم فقلت من هذا يا جبرئيل فقال هذا المجيب لقومه هارون بن عمران فسلّمت عليه وسلّم عليّ واستغفرت له واستغفر لي واذا فيها من الملائكة عليهم الخشوع مثل ما في السماوات ثم صعدنا إلى السَّماءِ السادسة واذا فيها رجل آدم طويل كأنّه من شعرة ولو أنّ عليه قميصين لنفذ شعره فيهما وسمعته يقول يزعم بنو إسرائيل أنّي أكرم ولد آدم على الله وهذا رجل أكرم على الله منّي فقلت من هذا يا جبرئيل فقال أخوك موسى بن عمران فسلّمت عليه وسلّم عليّ واستغفرت له واستغفر لي واذا فيها من الملائكة عليهم الخشوع مثل ما في السّماوات قال ثم صعدنا إلى السماءِ السابعة فما مررت بملك من الملائكة إلاّ قالوا يا محمّد احتجم وأمر أمّتك بالحجامة وإذا فيها رجل أشمط الرأس واللِّحيَة جالس على كرسيٍّ فقلت يا جبرئيل من هذا الذي في السماء السابعة على باب بيتِ المعمور في جوار الله فقال يا محمّد هذا أبوك إبراهيم عليه السلام وهذا محلّك ومحلّ من اتقى من أمّتك ثم قرأ رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم إنّ أولى الناس بابراهيم للذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والذين آمنوا والله وليّ المؤمنين فسلّمت عليه وسلّم عليّ وقال مرحباً بالنّبيّ الصالح والابن الصالح والمبعوث في الزمن الصالح واذا فيها من الملائكة عليهم الخشوع مثل ما في السَّماواتِ فبشّروني بالخير لي ولأمّتي قال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم ورأيت في السّماءِ السابعة بحاراً من نور يتلألأ يكاد تلألؤها يخطف بالأبصار وفيها بحار مظلمة وبحار ثلج ترعد فلما فرغت ورأيت هؤلاءِ سألت جبرئيل فقال ابشر يا محمّد واشكر كرامة ربّك واشكر الله ما صنع إليك قال فثبّتني الله بقوّته وعونه حتى كثر قولي لجبرئيل ويعجبني فقال جبرئيل يا محمّد تعظّم ما ترى إنّما هذا خلق من خلق ربك إنّ بين الله وبين خلقه تسعين ألف حجاب وأقرب الخلق إلى الله أنا واسرافيل وبيننا وبينه أربعة حجب حجاب من نور وحجاب من ظلمة وحجاب من الغمام وحجاب من ماء قال ورأيت من العجائب الذي خلق الله وسخّر به على ما أراد ديكاً رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ورأسه عند العرش وملكاً من ملائكة الله تعالى خلقه كما أراد رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ثم أقبل مصعداً حتى خرج في الهواء إلى السماء السابعة وانتهى فيها مصعداً حتى انتهى قرنه إلى قرب العرش وهو يقول سبحان ربّي حيث ما كنت لا تدري أين ربّك من عظم شأنه وله جناحان في منكبه إذا نشرهما جاوز المشرق والمغرب فاذا كان في السّحر نشر جناحيه وخفق بهِما وصرخ بِالتسبيح يقول سبحان الله الملك القدّوس سبحانَ الله الكبير المتعال لا إله إلا الله الحيّ القيّوم وإذا قال ذلك سبّحت ديوك الأرض كلّها وخفقت بأجنحتها وأخذت بالصراخ فاذا سكت ذلك الدّيك في السماءِ سكت ديوك الأرض كلّها ولذلك الدّيك زَغَب أخضر وريش أبيض كأشدّ بياض ما رأيته قط وله زَغَب أخضر أيضاً تحت ريشه الأبيض كأشدّ خضرة ما رأيتها قطّ قال ثم مضيت مع جبرئيل فدخلت البيت المعمور فصلّيت فيها ركعتين ومعي أناس من أصحابي عليهم ثياب جدد وآخرين عليهِم ثياب خلقان فدخل أصحاب الجدد وحبس أصحاب الخلق ثم خرجت فانقاد لي نهران نهر يسمّى الكوثر ونهر يسمّى الرحمة فشربت من الكوثر واغتسلت من الرحمة ثم انقادا لي جميعاً حتى دخلت الجنّة واذا على حافتيها بيوتي وبيوت أزواجي واذا ترابها كالمسك واذا جارية تنغمسُ في أنهار الجنّة فقلت لمن أنت يا جارية فقالت لزيد بن حارثة فبشّرته بها حين أصبحت واذا بطيرها كالبُخت واذا رمّانها مثل الدّلي العظام واذا شجرة لو أرسل طائر في أصلها ما دارها سبعمائة سنة وليس في الجنّة منزل إلا وفيها فرع منها فقلت ما هذه يا جبرئيل فقال هذه شجرة طوبى قال الله تعالى طوبى لهم وحسن مآب قال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم فلما دخلت الجنّة رجعت إلى نفسي فسألت جبرئيل عن تلك البحار وهولها وأعاجيبها فقال هو سرادقات الحجب التي احتجب الله تبارك وتعالى بها ولولا تلك الحجب لهتك نور العرش وكلّ شيء فيهِ فانتهيت إلى سدرة المنتهى فاذا الورقة منها تظلّ أمّة من الأمم فكنت منها كما قال الله تعالى قاب قوسين أو أدنى فناداني آمَنَ الرّسُول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون قال القميّ قد كتبنا ذلك في سورة البقرة.
أقولُ: وقد نقلناه عنه هناك قال فقال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم يا ربّ أعطيت أنبياءَك فَضَائِلَ فأعطني فقال الله قد أعطيتك فيما أعطيتك كلمتين من تحت عرشي لا حول ولا قوّة إلا بالله ولا منجى منك إلاّ إليك قال وعلّمتني الملائِكة قولاً أقوله إذا أصبحت وأمسيت اللَّهُمّ اِنَّ ظُلْمي أصْبَحَ مُسْتَجِيراً بِعَفْوِكَ وَذَنْبِي أَصْبَحَ مُسْتَجِيراً بِمَغْفِرَتِكَ وَذُلِّي أَصْبَحَ مُسْتَجِيراً بِعِزِّكَ وَفَقْرِي أَصْبَحَ مُسْتَجِيراً بِغِنَاكَ وَوَجْهِي الْبَاليِ أَصْبَحَ مُسْتَجِيراً بِوَجْهِكَ الباقي الذي لا يَفْنى وأقول ذلك إذا أمسيت ثم سمعت الأذان فاذا ملك يؤذن لم يُرَى في السماءِ قبل تلك الليلة فقال الله أكبر الله أكبر فقال الله صدق عبدي أنا أكبر فقال أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله فقال صدق عبدي أنا الله لا إله غيري فقال أشهد أنّ محمّداً رسول الله أشهد أن محمّداً رسول الله فقال صدق عبدي إنّ محمّداً عبدي ورسولي أنا بعثته وانتجبته فقال حيّ على الصّلاة حيّ على الصّلاة فقال صدق عبدي دعا إلى فريضتي فمن مشى إليها راغباً فيها محتسباً كانت كفّارة لما مضى من ذنوبه فقال حيّ على الفلاح حيّ على الفلاح فقال الله هي الصّلاح والنّجاح والفلاح ثم أمّمت الملائكة في السماءِ كما أمّمت الأنبياء في بيت المقدس قال ثمّ غشيتني صبابة فخررت ساجداً فناداني ربّي إنّي قد فرضت على كلّ نبيٍّ كان قبلك خمسين صلاة وفرضتها عليك وعلى أمّتك فقم بها أنت في أمّتك فقال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم فانحدرت حتّى مررت على ابراهيم عليه السلام فلم يسألني عن شيء حتّى انتهيت إلى موسى عليه السلام فقال ما صنعت يا محمّد فقلت قال ربّي فرضت على كل نبيّ كان قبلك خمسين صلاة وفرضتها عليك وعلى أمّتك فقال موسى يا محمّد إنّ أمّتك آخر الأمم وأضعفها وإنّ ربّك لا يردّ عليك شيئاً وانّ أمّتك لا تستطيع أن تقوم بها فارجع إلى ربّك فاسأله التخفيف لأمّتك فرجعت إلى ربّي حتى انتهيت إلى سدرة المنتهى فخررت ساجداً ثم قلت فرضت عليّ وعلى أمّتي خمسين صلاة ولا أطيق ذلك ولا أمّتي فخفِّف عنّي فوضع عنّي عشراً فرجعت إلى موسى عليه السلام فأخبرته فقال ارجع إلى ربّكَ لا تطيق فرجعت إلى ربّي فوضع عنّي عشراً فرجعت إلى موسى عليه السلام فأخبرته فقال ارجع وفي كل رجعة ارجع إليه أخّر ساجداً حتى رجع إلى عشر صلوات فرجعت إلى موسى وأخبرته فقال لا تطيق فرجعت إلى ربّي فوضع عنّي خمساً فرجعت إلى موسى وأخبرته فقال لا تطيق فقلت قد استحييت من ربّي ولكن اصبُر عليها فناداني مناد كما صبرت عليها فهذه الخمس بخمسين كل صلاة بعشر ومن همّ من أمّتك بحَسَنة يعملها فعملها كتبت له عشراً وان لم يعمل كتبت له واحدة ومن همّ من أمّتك بسيئة فعملها كتبت له واحدة وان لم يعملها لم أكتب عليه"
فقال الصادق عليه السلام جزى الله موسى عن هذه الأمة خيراً فهذا تفسير قول الله عزّ وجلّ سبحان الذي أسرى بعبده الآية. وفي المجالس عن الصادق عليه السلام لمّا أسري برسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم إلى بيت المقدس حمله جبرئيل على البراق فأتيا بيت المقدس وعرض عليه محاريب الأنبياءِ وصلّى بها وردّه فمّر رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم في رجوعه بعير لقريش واذا لهم ماء في آنية وقد أضَلّوا بعيراً لهم وكانوا يطلبونه فشرب رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم من ذلك الماءِ وأهرق باقيه فلما أصبح رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم قال لقريش إنّ الله تعالى قد أسرى بي إلى بيت المقدس وأراني آثار الأنبياءِ ومنازلهم وإنّي مررت بعير في موضع كذا وكذا وقد أضلّوا بعيراً لهم فشربت من مائهم وأهرقت باقي ذلك فقال أبو جهل قد مكّنتكم الفرصة فاسألوه كم الأساطين فيها والقناديل فقالوا يا محمّد إنّ هاهنا من قد دخل بيت المقدس صف لنا كم أساطينه وقناديله ومحاريبه فجاء جبرئيل فعلّق صورة بيت المقدس تجاه وجهه فجعل يخبرهم بما يسألونه عنه فلّما أخبرهم قالوا حتّى يجيء العير ونسألهم عمّا قلت فقال لهم رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم تصديق ذلك أنّ العير تطلع عليكم مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق فلما كان من الغد أقبلوا ينظرون إلى العقبة ويقولون هذه الشمس تطلع الساعة فبينا هم كذلك إذ طلعت عليهمُ العير حتى طلع القرص يقدمها جمل أورق فسألوهم عمّا قال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم فقالوا لقد كان هذا ضلّ جمل لنا في موضع كذا وكذا ووضعنا ماء فأصبحنا وقد أهريق الماء فلم يزدهم ذلك إلاّ عتوّاً.
والقميّ ما يقرب منه وفي كشف الغمّة عن النّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم أنّه سئل بأيّ لغة خاطبك ربّك ليلة المعراج فقال خاطبني بلغة عليّ بن أبي طالب عليه السلام فالهمت ان قلت يا ربّ خاطبتني أم عليّ قال يا أحمد أنا شيء ليس كالأشياء ولا أقاس بالنّاسِ ولا أوصف بالاشياء خلقتك من نوري وخلقت عليّاً من نورك فاطّلعت على سراير قلبك فلم أجد إلى قلبك أحَبَّ من عليّ بن أبي طالب عليه السلام فخاطبتك بلسانه كي ما يَطمئنّ قلبك والأخبار في قصّة المعراج كثيرة من أرادها فليطلبها من مواضعها وفيها أسرار لا يعثر عليها إلاّ الرّاسخون في العِلمِ.