خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ
٢٠٠
وِمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ
٢٠١
أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
٢٠٢
-البقرة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (200) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ } فرغتم من أفعال الحج { فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً } فاذكروا ذكر الله بآلائه لديكم وإحسانه إليكم وبالغوا فيه كما تفعلونه في ذكر آبائكم بافعالكم ومآثرهم وأبلغ منه.
في تفسير الإمام خيّرهم بين ذلك ولم يلزمهم أن يكونوا اشد ذكراً له منهم لآبائهم وإن كانت نعم الله عليهم أكثر وأعظم من نعم آبائهم.
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام كانوا إذا فرغوا من الحج يجتمعون هناك يعدّون مفاخر آبائهم ومآثرهم ويذكرون أيامهم القديمة وأياديهم الجسيمة فأمرهم الله سبحانه أن يذكروه مكان ذكر آبائهم في هذا الموضع أو أشد ذكراً أو يزيدوا على ذلك بأن يذكروا نعم الله سبحانه ويعدّوا آلاءه ويشكروا نعمائه لأن آبائهم وإن كانت لهم عليهم أياد ونعم فنعم الله سبحانه عليهم أعظم وأياديه عندهم أفخم ولأنه سبحانه المنعم بتلك المآثر والمفاخر على آبائهم وعليهم { فَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ } فان الناس من بين مقلّ لا يطلب بذكره إلا الدنيا ومكثر يطلب به خير الدارين فيكونوا من المكثرين { رَبّنَا آتِنَا } اجعل إيتاءنا ومنحتنا { فِي الدُّنْيَا } خاصة { وَمَا لَهُ فِي الآخرة مِنْ خَلاَقٍ } نصيب وحظ لأن همّه مقصور على الدنيا لا يعمل للآخرة عملاً ولا يطلب منها خيراً.
{ (201) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً } كالصحة والأمن والكفاف وتوفيق الخير { وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً } كالرحمة والزّلفة { وَقِنَا عَذَابَ النّارِ } بالمغفرة والعفو.
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام قال رضوان الله والجنة في الآخرة والسعة في المعاش وحسن الخلق في الدنيا.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحوراء وعذاب النار المرأة السوء وقيل الحسنة في الدنيا العلم والعبادة وفي الآخرة الجنّة، وعذاب النّار الشهوات والذّنوب المؤدّية إليها.
أقول: كل ذلك أمثلة للمراد بها فلا تنافي بينها.
{ (202) أُوْلَئِكَ } في تفسير الإمام أولئك الدّاعون بهذا الدعاء على هذا الوصف { لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَا كَسَبُوا } قال من ثواب ما كسبوا في الدنيا والآخرة.
اقول: وإنما قيل ما كسبوا لأنّ الأعمال أنفسها تتصور بصور حسنة يتنعّم بها صاحبها أو بصور قبيحة يتعذّب بها صاحبها كما ورد في أخبار كثيرة عن أهل العصمة وفي الحديث النبوي إنما
"هي أعمالكم ترد إليكم" { وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } يحاسب الخلائق كلهم على كثرتهم وكثرة أعمالهم في مقدار لمح البصر كما ورد في الخبر.
وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال معناه أنه يحاسب الخلائق دفعة كما يرزقهم دفعة.
وعنه أنه سئل كيف يحاسب الله الخلق ولا يرونه قال كما يرزقهم الله ولا يرونه.
وفي تفسير الإمام لأنه لا يشغله شأن عن شأن ولا محاسبة عن محاسبة فإذا حاسب واحداً فهو في تلك الحالة محاسب للكل يتم حساب الكل بتمام حساب الواحد وهو كقوله:
{ { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [ لقمان: 28] و يأتي في سورة الأنعام ما يقرب منه.
أقول: ولسرعة الحساب معنى آخر يجتمع مع هذا المعنى ويؤيده وهو ان الله يحاسب العبد في الدنيا في كل آن ولحظة فيجيزه على عمله في كل حركة وسكون ويكافئ طاعاته بالتوفيقات ومعاصيه بالخذلانات فالخير يجرّ الخير والشر يدعو إلى الشر ومن حاسب نفسه في الدنيا عرف هذا المعنى ولهذا ورد حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وهذا من الأسرار التي لا يمسها إلا المطهرون.