خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ
٢٤٩
وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ
٢٥٠
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ
٢٥١
-البقرة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (249) فَلَمّا فَصَل طَالُوتُ بِالْجُنُودِ } انفصل بهم عن بلده لقتال العمالقة وأصله فصل نفسه عنه ولكن لما كثر حذف مفعوله صار كاللازم { قَالَ إنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ } مختبركم { بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي } فليس من جملتي واشياعي { وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ } لم يذقه { فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ } استثناء من قوله فمن شرب منه ومعناه الرخصة في اغتراف الغرفة باليد وقرئ غرفة بالفتح { فَشَرِبُوا منْهُ إلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ } الا ثلاث ماءة وثلاثة عشر رجلاً منهم من اغترف ومنهم من لم يشرب كذا في الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام.
وروي أن من اقتصر على الغرفة كفته لشربه وأدواته ومن لم يقتصر غلب عطشه واسودّت شفته ولم يقدر أن يمضي وهكذا الدنيا لقاصد الآخرة.
{ فَلَمّا جَاوَزَهُ هُوَ } تخطّى النهر طالوت { وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ } يعني القليل من أصحابه ورأوا كثرة عدد جنود جالوت { قَالوا } قال الذين اغترفوا { لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ } الذين كانو يتيقّنون { أَنّهُمْ مُلاقُوا اللهِ } وهم الذين لم يغترفوا { كَم مِن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }.
{ (250) وَلَمَّا بَرَزوا لِجَالوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }.
{ (251) فَهَزَمُوهُمْ بإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلّمَهُ مِمّا يَشَاءُ } القمّي عن الرضا عليه السلام أوحى الله إلى نبيهم أن جالوت يقتله من يستوي عليه درع موسى عليه السلام وهو رجل من ولد ولاوي بن يعقوب اسمه داود بن اشي وكان اشي راعياً وكان له عشر بنين أصغرهم داود فلما بعث طالوت إلى بني إسرائيل وجمعهم لحرب جالوت بعث إلى أشي ان احضر واحضر ولدك فلما حضروا دعا واحداً بعد واحد من ولده فالبسه الدرع درع موسى فمنهم من طالت عليه ومنهم من قصرت عنه فقال لاشي هل خلّفت من ولدك أحداً قال نعم أصغرهم تركته في الغنم راعياً فبعث إليه فجاء به فلما دعا أقبل ومعه مقلاع قال فناداه ثلاث صخرات في طريقه فقالت يا داود خذنا فأخذها في مخلاته وكان شديد البطش قوياً في بدنه شجاعاً فلما جاء إلى طالوت البسه درع موسى فاستوت عليه ففصل طالوت بالجنود وقال لهم نبيهم يا بني إسرائيل ان الله مبتليكم بنهر في هذه المفازة فمن شرب منه فليس من حزب الله ومن لم يشرب فهو من حزب الله إلا من اغترف غرفة بيده فلما وردوا النهر اطلق الله لهم أن يغترف كل واحد منهم غرفة فشربوا منه إلا قليلاً منهم فالذين شربوا منه كانوا ستين ألفاً وهذا امتحان امتحنوا به كما قال الله عز وجل.
وعن الصادق عليه السلام أنه قال القليل الذين لم يشربوا يغترفوا ثلاث ماءة وثلاثة عشر رجلاً فلما جاوزوا النهر ونظروا إلى جنود جالوت قال الذين شربوا منه لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده وقال الذين لم يشربوا ربّنا أفرغ علينا صبراً وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فجاء داود فوقف بحذاء جالوت وكان جالوت على الفيل وعلى رأسه التاج وفي جبهته ياقوتة يلمع نورها وجنوده بين يديه فأخذ داود من تلك الأحجار حجراً فرمى به ميمنة جالوت فمر في الهواء ووقع عليهم فانهزموا وأخذ حجراً آخر فرمى به ميسرة جالوت فانهزموا ورمى جالوت بحجر فصكّ الياقوتة في جبهته ووصلت إلى دماغه ووقع على الأرض ميتاً وهو قوله تعالى فهزموهم باذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة.
وفي رواية العياشي ان داود لما دخل العسكر سمعهم يتعظّمون أمر جالوت فقال لهم ما تعظمون من أمره فوالله لئن عاينته لأقتلنه فتحدّثوا بخبره حتى ادخل على طالوت فقال يا فتى وما عندك من القوة وما جرّبت من نفسك قال كان الأسد يعدو على شاة من غنمي فأدركه فآخذ برأسه فافّك لحييه منها فآخذها من فيه قال فقال ادع لي بدرع سابغة، قال فأتي بدرع فقذفها في عنقه فتملأ منها قال فقال طالوت والله لعسى الله أن يقتله به قال فلما أن أصبحوا ورجعوا إلى طالوت والتقى الناس قال داود أروني جالوت فلما رآه أخذ الحجر فجعله في مقذافه فرماه فصكّ به بين عينيه فدمغه فنكّس على دابته وقال الناس قتل داود جالوت وملك الناس حتى لم يكن يسمع لطالوت ذكر واجتمعت بنو سرائيل على داود وأنزل الله عليه الزّبور وعلمه صنعة الحديد وليّنه له. { وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } وقرئ دفاع الله قيل أي بنصر المؤمنين على الكفار وقيل أي بدفع الهلاك بالبر عن الفاجر.
وفي المجمع روى الثاني عن أمير المؤمنين عليه السلام.
{ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ } لعمّ الكفر والهلاك { وَلَكِنَّ اللهَ } عزَّ وجل { ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ }.
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام قال إن الله ليدفع بمن يصلي من شيعتنا عمّن لا يصلي من شيعتنا ولو اجتمعوا على ترك الصلاة لهلكوا وان الله ليدفع بمن يزكي من شيعتنا عمن لا يزكي ولو اجتمعوا على ترك الزكاة لهلكوا وان الله ليدفع بمن يحج من شيعتنا عمن لا يحج ولو اجتمعوا على ترك الحج لهلكوا وهو قول الله عز وجل ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين فوالله ما نزلت إلا فيكم ولا عنى بها غيركم.
وفي المجمع عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم
"لولا عباد ركع وصبيان رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صباً" ، وعنه صلّى الله عليه وآله وسلم "إن الله يصلح بصلاح الرجل المسلم وولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله لا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم" .