خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ
٣٥
-البقرة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (35) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ } في الكافي والعلل والقمّي عن الصادق عليه السلام أنّها كانت من جنان الدنيا يطلع فيها الشمس والقمر ولو كانت من جنان الخلد ما خرج منها أبداً، وزاد القمّي ولم يدخلها إبليس { وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً } واسعاً { حَيْثُ شِئْتُمَا } بلا تعب { وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشّجَرَةَ } العيّاشي عن الباقر عليه السلام يعني لا تأكلا منها قيل وإنما علّق النّهي بالقرب الذي هو من مقدمات التناول مبالغة في تحريمه، ووجوب الاجتناب عنه وتنبيهاً على أن القرب من الشيء يورث داعية وميلاناً يأخذ بمجامع القلب ويلهيه عمّا هو مقتضى العقل والشرع.
وفي تفسير الإمام أنّها شجرة علم محمد وآل محمد صلّى الله عليه وآله وسلم آثرهم الله تعالى بها دون سائر خلقه لا يتناول منها بأمر الله الا هم ومنها ما كان يتناوله النبي صلّى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام بعد إطعامهم المسكين واليتيم والأسير حتى لم يحسوا بعد بجوع ولا عطش ولا تعب ولا نصب وهي شجرة تميّزت من بين سائر الأشجار بأنّ كلاّ منها إنّما يحمل نوعاً من الثمار وكانت هذه الشجرة وجنسها تحمل البرّ والعنب والتين والعنّاب وسائر أنواع الثمار والفواكه والأطعمة فلذلك اختلف الحاكون بذكرها، فقال بعضهم: برّة، وقال آخرون: هي عنبة، وقال آخرون: هي عنّابة وهي الشجرة التي من تناول منها باذن الله علم الأولين والآخرين من غير تعلم ومن تناول بغير اذن الله خاب من مراده وعصى ربه.
أقول: وفي رواية أنّها شجرة الحسد، وفي رواية أخرى أنها شجرة الكافور.
وفي العيون باسناده إلى عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت للرضا عليه السلام يا ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم وحواء ما كانت فقد اختلف الناس فيها فمنهم من يروي أنّها الحنطة ومنهم من يروي أنها العنب ومنهم من يروي أنها شجرة الحسد فقال كل ذلك حق قلت فما معنى هذه الوجوه على اختلافها فقال يا أبا الصّلت انّ شجرة الجنّة تحمل أنواعاً وكانت شجرة الحنطة وفيها عنب ليست كشجرة الدنيا وإن آدم لما أكرمه الله تعالى ذكره باسجاده ملائكته له وبادخاله الجنّة قال في نفسه هل خلق الله بشراً أفضل منّي فعلم الله عز جل ما وقع في نفسه فناداه ارفع رأسك يا آدم وانظر إلى ساق عرشي فرفع آدم رأسه فنظر إلى ساق العرش فوجد عليه مكتوباً لا إله إلا الله محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله وعليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة فقال آدم يا رب من هؤلاء فقال عز وجل: هؤلاء من ذرّيتك وهم خير منك ومن جميع خلقي ولولاهم ما خلقتك ولا خلقت الجنة والنار ولا السماء والأرض فإياك أن تنظر إليهم بعين الحسد فأخرجك عن جواري فنظر إليهم بعين الحسد وتمنّى منزلتهم فتسلط عليه الشيطان حتى أكل من الشجرة التي نهي عنها وتسلط على حواء لنظرها إلى فاطمة بعين الحسد حتّى أكلت من الشجرة كما أكل آدم فأخرجهما الله تعالى عن جنته وأهبطهما عن جواره إلى الأرض.
أقول: كما أن لَبدَن الانسان غذاء من الحبوب والفواكه كذلك لروحه غذاء من العلوم والمعارف وكما أن لغذاء بدنه أشجاراً تثمرها فكذلك لروحه أشجار تثمرها ولكل صنف منه ما يليق به من الغذاء فان من الإنسان من يغلب فيه حكم البدن على حكم الروح ومنه من هو بالعكس ولهم في ذلك درجات يتفاضل بها بعضهم على بعض ولأهل الدرجة العليا كل ما لأهل الدرجة السفلى وزيادة ولكل فاكهة في العالم الجسماني مثال في العالم الروحاني مناسب لها كما مرت الاشارة إليه في المقدمة الرابعة.
ولهذا فسرت الشجرة تارة بشجرة الفواكه وأخرى بشجرة العلوم وكان شجرة علم محمد صلّى الله عليه وآله وسلم إشارة إلى المحبوبية الكاملة المثمرة لجميع الكمالات الإِنسانية المقتضية للتوحيد المحمدي الذي هو الفناء في الله والبقاء بالله المشار إليه بقوله عليه السلام لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل فانّ فيها من ثمار المعارف كلها وشجرة الكافور إشارة إلى برد اليقين الموجب للطمأنينة الكاملة المستلزمة للخلق العظيم الذي كان لنبيّنا (ص) ودونه لأهل بيته عليهم السلام فلا منافاة بين الروايات ولا بينها وبين ما قاله أهل التأويل أنها شجرة الهوى والطبيعة لأن قربها إنما يكون بالهوى والشهوة الطبيعية وهذا معنى ما ورد أنّها شجرة الحسد فان الحسد إنما ينشأ منها { فَتَكُونَا مِنَ الظّالِمِينَ } بمعصيتكما والتماسكما درجة قد أوثر بها غير كما إذا رمتما بغير حكم الله.