خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ
٨٨
وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ
٨٩
-البقرة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (88) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ }: أي أوعية للخير والعلوم قد أحاطت بها واشتملت عليها ثم هي مع ذلك لا نعرف لك يا محمد صلّى الله عليه وآله وسلم فضلاً مذكوراً في شيء من كتب الله ولا على لسان أحد من أنبياء الله فرد الله عليهم بقوله: { بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ } أبعدهم من الخير { فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ } يعني فإيماناً قليلاً يؤمنون ببعض ما أنزل الله ويكفرون ببعض قال عليه السلام: وإذا قرئ غلف فإنهم قالوا قلوبنا في غطاء فلا نفهم كلامك وحديثك كما قال الله تعالى { { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } [فصلت: 5]، قال: وكلتا القراءتين حق وقد قالوا بهذا وهذا جميعاً.
{ (89) وَلَمّا جَاءَهُمْ } يعني اليهود { كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ } القرآن { مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ } من التوراة التي بيّن فيها أن محمداً الأميّ من ولد إسماعيل المؤيّد بخير خلق الله بعده علي ولي الله { وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ } ان ظهر محمد بالرسالة { يَسْتَفْتِحُونَ } يسألون الله الفتح والظفر { عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } من أعدائهم وكان الله يفتح لهم وينصرهم { فَلَمّا جَاءَهُمْ مّا عَرَفُوا } من نعت محمد وصفته { كَفَرُوا بِهِ } جحدوا نبوّته حسداً له وبغياً عليه { فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ }.
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه قال: في هذه الآية كانت اليهود تجد في كتبها أن مهاجر محمد صلّى الله عليه وآله وسلم ما بين عَيْر وأُحُد فَخَرَجُوا يطلبون الموضع فمروا بجبل يسمى جُبَيْل وبجبل يسمى حِدَاد فقالوا حداد واحد سواء فتفرّقوا عنده فنزل بعضهم بتيماء وبعضهم بفدك وبعضهم بخيبر فاشتاق الذين بتيماء إلى بعض إخوانهم فمرّ بهم أعرابي من قيس فتكاروا منه، وقال: أمر بكم ما بين عَيْر وأُحُد فقالوا له إذا مررت بهما فائدنا بهما فلما توسط بهم أرض المدينة قال لهم ذلك عَيْر وهذا أُحُد فنزلوا عن ظهر إبله وقالوا قد بغيتنا فلا حاجة لنا في إبلك فاذهب حيث شئت وكتبوا إلى إخوانهم الذين بفدك وخيبر أنّا قد أصبنا الموضع فهلمّوا إلينا فكتبوا إليهم أنا قد استقرت بنا الدار واتخذنا الأموال وما أقربنا منكم فلما كان ذلك فما اسرعنا إليكم فاتخذوا بأرض المدينة الأموال فلما كثرت أموالهم بلغ تبّع فغزاهم فتحصّنوا منه فحاصرهم وكانوا يرقون لضعفاء أصحاب تبّع فيلقون إليهم بالليل التمر والشعير فبلغ ذلك تبّع فرقّ لهم وأمنهم فنزلوا إليه فقال لهم: إني قد استطبت بلادكم ولا أراني إلاَّ مقيماً فيكم فقالوا له إن ذاك ليس لك إنها مهاجر نبي وليس ذلك لأحد حتى يكون ذلك فقال لهم إني مخلّف فيكم من أسرتي من إذا كان ذلك ساعده ونصره فخلّف حيّين الأوس والخزرج فلمّا كثروا بها كانوا يتناولون أموال اليهود وكانت اليهود تقول لهم: أما لو قد بعث الله فيكم محمداً لنخرجنكم من ديارنا وأموالنا فلما بعث الله محمداً صلّى الله عليه وآله وسلم آمنت به الأنصار وكفرت به اليهود وهو قول الله عزّ وجلّ وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كَفَروا به فلعنة الله على الكافرين.
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال كان قوم فيما بين محمد صلّى الله عليه وآله وسلم وعيسى وكانوا يتوعدون أهل الأصنام بالنبي ويقولون ليخرجن النبي فليكسرن أصنامكم وليفعلن بكم كذا فلما خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم كفروا به.
والقمّي كانت اليهود يقولون للعرب قبل مجيء النبي صلّى الله عليه وآله وسلم: أيها العرب هذا أوان نبي يخرج من مكة وكانت مهاجرته بالمدينة وهو آخر الأنبياء وأفضلهم في عينيه حمرة وبين كتفيه خاتم النبوة يلبس الشّملة ويجتزئ بالكِسرة والتّميرات ويركب الحمار العري وهو الضحوك القتال يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر لنقتلنّكم به يا معشر العرب قتل عاد فلما بعث الله نبيّه بهذه الصفة حسدوه وكفروا به كما قال الله وكانوا من قبل، الآية.
وفي تفسير الإمام عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام: ان الله تعالى أخبر رسوله صلّى الله عليه وآله وسلم بما كان من إيمان اليهود بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل ظهوره ومن استفتاحهم على أعدائهم بذكره والصلاة عليه وآله، قال وكان الله عز وجل أمر اليهود في ايام موسى وبعده إذا دهمهم أمر أو دهتهم داهية أن يدعوا الله عز وجل بمحمد وآله الطيّبين وان يستنصروا بهم، وكانوا يفعلون ذلك حتى كانت اليهود من أهل المدينة قبل ظهور محمد صلى الله عليه وآله وسلم بسنين كثيرة يفعلون ذلك فيُكفونَ البلاءَ والدهماء والداهية وكانت اليهود قبل ظهور محمد صلّى الله عليه وآله وسلم بعشر سنين يعاديهم اسد وغطفان وقوم من المشركين ويقصدون أذاهم فكانوا يستدفعون شرورهم وبلاءهم بسؤالهم ربهم بمحمد وآله الطيبين حتى قصدهم في بعض الأوقات أسد وغطفان في ثلاثة آلاف فارس إلى بعض قرى اليهود حوالي المدينة فتلقاهم اليهود وهم ثلاثمائة فارس إلى بعض قرى اليهود حوالي المدينة فتلقاهم اليهود وهم ثلاثمائة فارس ودعوا الله بمحمد وآله فهزموهم وقطّعوهم وقال أسد وغطفان بعضهم لبعض تعالوا نستعين عليهم بسائر القبائل فاستعانوا عليهم بالقبائل فأكثروا حتى اجتمعوا على قدر ثلاثين ألفاً وقصدوا هؤلاء الثلثمائة في قريتهم فألجؤوها إلى بيوتها وقطعوا عنها المياه الجارية التي كانت تدخل إلى قراهم فلم يأمنوهم وقالوا لا إلا أن نقتلكم ونسبيكم وننهبكم فقالت اليهود بعضها لبعض كيف نصنع فقال لهم أماثلهم وذوو الرأي منهم أما أمر موسى اسلافكم فمن بعدهم بالاستنصار بمحمد وآله الطيبين أما أمركم بالابتهال إلى الله عز وجل عند الشدائد بهم قالوا بلى قالوا فافعلوا فقالوا اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما سقيتنا فقد قطعت الظلمة عنا المياه حتى ضعف شبّاننا وتماوت ولداننا وأشرفنا على الهلكة فبعث الله لهم وابلاً هطلاً صباً متتابعاً ملأ حياضهم وآبارهم وأنهارهم وأوعيتهم وظروفهم فقالوا هذه إحدى الحسنيين ثم أشرفوا من سطوحهم على العساكر المحيطة بهم فإذا المطر قد أذاهم غاية الأذى وافسد أمتعتهم وأسلحتهم وأموالهم فانصرف عنهم لذلك بعضهم وذلك أن المطر أتاهم في غير أوانه في حمازة القيظ حين لا يكون مطر فقال الباقون من العساكر هبكم سقيتم فمن أين تأكلون ولئن انصرف عنكم هؤلاء فلسنا ننصرف حتى نقهركم على أنفسكم وعيالاتكم وأهاليكم ونشفي غيظاً منكم فقالت اليهود ان الذي سقانا بدعائنا بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلم قادر على أن يطعمنا وأن الذي صرف عنا من صرفه قادر أن يصرف الباقين ثم دعوا الله بمحمد وآله ان يطعمهم فجاءت قافلة عظيمة من قوافل الطعام قدر ألفي جمل وبغل وحمار موقرة حنطة ودقيقاً وهم لا يشعرون بالعساكر فانتهوا إليهم وهم نيام ولم يشعروا بهم لأن الله تعالى ثقل نومهم حتى دخلوا القرية ولم يمنعوهم وطرحوا فيها أمتعتهم وباعوها منهم فانصرفوا وأبعدوا وتركوا العساكر نائمة وليس في أهلها عين تطرف فلما ابعدوا انتبهوا ونابذوا اليهود الحرب وجعل يقول بعضهم لبعض: الْوَحَا الوَحَا فان هؤلاء اشتد بهم الجوع وسيذلّون لنا قال لهم اليهود: هيهات بل قد اطعمنا ربّنا وكنتم نياماً جاءنا من الطعام كذا وكذا ولو أردنا قتلكم في حال نومكم ليهيء لنا ولكنا كرهنا البغي عليكم فانصرفوا عنا وإلا دعونا عليكم بمحمد وآله واستنصرنا بهم أن يخزيكم كما قد اطعمنا وسقانا فأبوا إلا طغياناً فدعوا الله بمحمد وآله واستنصروا بهم.
ثم برز الثلاثمائة إلى الثلاثين الفاً فقتلوا منهم واسروا وطحطحوهم واستوثقوا منهم بأسرائهم فكان لا يبدأهم مكروه من جهتهم لخوفهم على من لهم في ايدي اليهود فلما ظهر محمد صلّى الله عليه وآله وسلم حسدوه إذ كان من العرب وكذبوه ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم
"هذه نصرة الله تعالى لليهود على المشركين بذكرهم لمحمد وآله ألا فاذكروا يا أمة محمد صلّى الله عليه وآله وسلم محمداً وآله عند نوائبكم وشدائدكم لينصرن الله به ملائكتكم على الشياطين الذين يقصدونكم فان كل واحد منكم معه ملك عن يمينه يكتب حسناته وملك عن يساره يكتب سيئاته ومعه شيطانان من عند إبليس يغويانه فإذا وسوسا في قلبه ذكر الله تعالى وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلّى الله على محمد وآله خنس الشيطانان واختفيا" . الحديث.