خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ
١٢
لاَ تَرْكُضُواْ وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ
١٣
قَالُواْ يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ
١٤
فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ
١٥
وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ
١٦
لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ
١٧
بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ
١٨
وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ
١٩
يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ
٢٠
-الأنبياء

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (12) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا } فلمّا ادركوا شدّة عذابنا ادراك المشاهد المحسوس { إِذَا هُم مِنْهَا يَرْكُضُونَ } يهربون مسرعين.
{ (13) لاَ تَرْكُضُوا } على ارادة القول اي قيل لهم استهزاء { وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ } من التنعّم والتلذّذ والاتراف ابطار النّعمة { وَمَسَاكِنِكُمْ } الّتي كانت لكم { لَعَلّكُمْ تُسْئَلُونَ }
{ (14) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنّا كُنّا ظَالِمينَ }
{ (15) فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ } فما زالوا يردّدون ذلك وانّما سمّاه دعوى لأنّ المولول كأنّه يدعو الويل ويقول يا ويل تعالى فهذا اوانك { حَتّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً } وهو النَّبت المحصود { خَامِدِينَ } ميّتين من خمدت النار قيل نزلت في اهل اليمن كذّبوا نبيّهم حنظلة وقتلوه فسلّط الله عليهم بخت نصّر حتّى اهلكهم بالسيف ومعنى لعلّكم تسئلون اي تسئلون شيئاً من دنياكم فانّكم اهل ثروة ونعمة وهو استهزاء بهم.
وفي الكافي عن السجاد عليه السلام لقد اسمعكم الله في كتابه ما فعل بالقوم الظالمين من اهل القرى قبلكم حيث قال { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً } وانّما عنى بالقرية أهلها حيث يقول { وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ } فقال عزّ وجلّ { فلما أحسّوا بأسنا إذا هُم مِنْها يَرْكُضُونَ } يعني يهربون قال فَلمَّا آتاهُمُ الْعَذَابُ { قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنّا ظَالِمِينَ } قال وايم الله انّ هذه عظة لكم وتخويف ان اتّعظتم وخفتم.
وعن الباقر عليه السلام قال اذا قام القائم وبعث الى بني امية بالشام هربوا الى الرّوم فيقول لهم الرّوم لا ندخلكم حتّى تتنصروا فيعلّقون في اعناقهم الصّلبان فيدخلونهم فاذا نزل بحضرتهم اصحاب القائم (ع) طلبوا الامان والصلح فيقول اصحاب القائم (ع) لا نفعل حتّى تدفعوا الينا من قبلكم منّا فيدفعونهم اليهم فذلك قوله لا تَرْكُضُوا الى قوله لعلّكم تسئلون قال يسألهم الكنوز وهو اعلم بها قال فيقولون يا ويلنا الى قوله خامِدينَ اي بالسيف وهو سعيد بن عبد الملك الامويّ صاحب نهر سعيد بالّرحبة.
والقميّ ما يقرب منه قال وهذا كلّه ممّا لفظه ماض ومعناه مستقبل وهو ممّا ذكرناه ممّا تأويله بعد تنزيله.
{ (16) وَما خَلَقْنا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ } وانّما خلقناهما تبصرة للنّظار وتذكرة لذوي الاعتبار وتسبيباً لما ينتظم به امور العباد في المعاش والمعاد فينبغي ان يتبلّغوا بها الى تحصيل الكمال ولا يغتّروا بزخارفها السّريعة الزّوال.
{ (17) لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً } ما يتلهّى به ويلعب { لأَتَّخَذْنَاهُ مِن لَدُنَّا } قيل اي من جهة قدرتنا او من عندنا ممّا يليق بحضرتنا من الرّوحانيات لا من الاجسام { إِن كُنَّا فَاعِلينَ } ذلك.
{ (18) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ } فيمحقه { فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } هالك اضراب من اتّخاذ اللّهو وتنزيه لذاته سبحانه من اللّعب اي من شأننا ان نغلب الحقّ الذي من جملته الجدّ على الباطل الّذي من عداده اللّهو واستعير القذف الذي هو الرّمي البعيد المستلزم لصلابة المرميّ والدمغ الذي هو كسر الدّماغ بحيث يشقّ غثاثه المؤدّي الى زهوق الرّوح تصويراً لابطاله به ومبالغة فيه { وَلَكُمُ الوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ } ممّا لا يجوز عليه.
في المحاسن عن الصادق عليه السلام ليس من باطل يقوم بازاء حق الاّ غلب الحق الباطل وذلك قول الله تعالى بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق
وعنه عليه السلام ما من احد الاّ وقد يرد عليه الحقّ حتّى يصدع قلبه قبله او تركه وذلك انّ الله يقول في كتابه بل نقذف بالحق الآية.
{ (19) وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } خلقاً وملكاً { وَمَنْ عِندَهُ } يعني الملائكة { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ } ولا يعيون منها.
{ (20) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ } ينزّهونه ويعظّمونه دائماً { لاَ يَفْتُرُونَ }.
في العيون عن الرضا عليه السلام انّ الملائكة معصومون محفوظون من الكفر والقبايح بالطاف الله تعالى قال الله فيهم
{ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } } [التحريم: 6] وقال عز وجلّ { وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ } يعني الملائكة { لا يستكبرون } الآية.
وفي الاكمال عن الصادق عليه السلام انّه سئل عن الملائكة اينامون فقال ما من حيّ الاّ وهو ينام ما خلا الله وحده والملائكة ينامون فقيل يقول الله عزّ وجلّ { يسبّحون اللّيْل والنّهار ولا يفترون } قال انفاسهم تسبيح.
وفي رواية ليس شيء من اطباق اجسادهم الاّ ويسبّح الله عزّ وجلّ ويحمده من ناحيته باصوات مختلفة.