خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ
٤٣
ذٰلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ
٤٤
إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ
٤٥
وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ
٤٦
قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
٤٧
وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ
٤٨
وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وٱلأَبْرَصَ وَأُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
٤٩
-آل عمران

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (43) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ } في جماعتهم أو كوني في عدادهم امرت بالصلاة بذكر أركانها.
القمّي إنما هو اركعي واسجدي وعده مما وقع فيه التقديم والتأخير من القرآن.
وفي العلل عن الصادق عليه السلام قال سميت فاطمة محدّثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول يا فاطمة ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين فتحدّثهم ويحدثونها فقالت لهم ذات ليلة أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران فقالوا ان مريم كانت سيدة نساء عالمها وان الله عز وجل جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين.
{ (44) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يُلْقَونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } العياشي عن الباقر عليه السلام يقرعون بها حين ايتمت من ابيها { وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يَخْتَصِمُونَ } تنافساً في كفالتها.
{ (45) إذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ } قيل أصله بالعبرية مشيحا ومعناه المبارك { عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ } قيل هو معرب ايشوع { وَجِيهاً } القمّي ذو وجه وجاه { فِي الدُّنيَا } بالنبوة والرسالة وفي { الآخِرَةِ } بالشفاعة وعلو الرتبة { وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ } من الله برفعه إلى السماء وصحبة الملائكة وعلو درجته في الجنة.
{ (46) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ } كلام الأنبياء { فِي الْمَهْدِ } حال كونه طفلاً { وَكَهْلاً } من غير تفاوت قيل فيه دليل على نزوله لأنه رفع قبل أن يكتهل { وَمِنَ الصَّالِحِينَ } قيل ذكر أحواله المختلفة المتنافية ارشاد إلى أنه بمعزل عن الألوهية.
{ (47) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }.
كما يقدر ان يخلق الأشياء مدرجاً بأسباب ومواد يقدر أن يخلقها دفعة من غير ذلك.
{ (48) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ } وقرئ بالنون الكتبة أو جنس الكتب المنزلة { وَالْحِكْمَةَ وَالتَوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ } خصّ الكتابان لفضلهما.
{ (49) وَرَسُولاً } ويرسله رسولاً { إِلى بَنِي اسْرَائِيلَ }، في الاكمال عن الباقر عليه السلام انه ارسل إلى بني إسرائيل خاصة وكانت نبوته ببيت المقدس { أَنّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ } حجّة شاهدة على صحة نبوتي { أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ } اقدر واصور شيئاً وقرئ إنّي بالكسر { مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطّيرِ } مثل صورته { فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً } حياً طياراً { بِإِذْنِ اللهِ } بأمره نبّه على أنَّ إحياءه من الله لا منه، وقرئ طائراً { وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ } الأعمى { وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ } كرر باذن الله دفعاً لوهم الألوهية فان الأحياء ليس من جنس الأفعال البشرية { وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ مَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ } بالمغيبات من أحوالكم التي لا تشكون فيها { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَة لَكُمْ إن كُنتُم مُؤْمِنِينَ } مصدّقين غير معاندين.
القمّي عن الباقر عليه السلام ان عيسى عليه السلام كان يقول لبني اسرائيل انّي رسول الله إليكم وإني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فيكون طيراً باذن الله وأبرئُ الأكمه والأبرص والأكمه هو الأعمى قالوا ما نرى الذي تصنع الا سحراً فأرنا آية نعلم انّك صادق قال أرأيتكم ان اخبرتكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم قبل أن تخرجوا وما ادخرتم بالليل تعلمون اني صادق قالوا نعم وكان يقول انت اكلت كذا وكذا وشربت كذا وكذا ورفعت كذا وكذا فمنهم من يقبل منه فيؤمن ومنهم من يكفر وكان لهم في ذلك آية ان كانوا مؤمنين.
والعياشي مقطوعاً قال فمكث عيسى حتى بلغ سبع سنين أو ثمان سنين فجعل يخبرهم بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم فأقام بين أظهرهم يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويعلمهم التوراة وانزل الله عليه الانجيل لما أراد الله عليهم حجّة ومرفوعاً قال ان أصحاب عيسى سألوه أن يحيي لهم ميتاً فأتى بهم إلى قبر سام بن نوح فقال له قم باذن الله يا سام بن نوح قال فانشق القبر ثم اعاد الكلام فتحرك ثم اعاد الكلام فخرج سام بن نوح فقال له عيسى ايهما احب اليك تبقى أو تعود قال فقال يا روح الله بل أعود اني لأجد حرقة الموت أو قال لذعة الموت في جوفي إلى يومي هذا.
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام انه سئل هل كان عيسى بن مريم أحيى احداً بعد موته حتى كان له آكل ورزق ومدة وولد فقال نعم انه كان له صديق مواخ له في الله تعالى وكان عيسى عليه السلام يمر به وينزل عليه وان عيسى غاب عنه حيناً ثم مر به ليسلم عليه فخرجت إليه امه فسألها عنه فقالت مات يا رسول الله قال افتحبين ان تريه قالت نعم فقال لها فاذا كان غداً فآتيك حتى أُحييه لك بإذن الله تعالى فلما كان من الغد أتاها فقال لها انطلقي معي إلى قبره فانطلقا حتى اتيا قبره فوقف عيسى ثم دعا الله تعالى فانفرج القبر وخرج ابنها حياً فلما رأته أمه وراءها بكيا فرحمهما عيسى فقال أتحب ان تبقى مع امك في الدنيا فقال يا نبي الله بأكل ورزق ومدّة ام بغير اكل ولا رزق ولا مدة فقال له عيسى بأكل ورزق ومدّة تعمر عشرين سنة وتزوج ويولد لك قال نعم إذاً فدفعه عيسى إلى أمه فعاش عشرين سنة وولد له.
أقول: وقد صدر عن نبيّنا صلّى الله عليه وآله وسلم امثال ما صدر عن عيسى وأكثر منها واعجب كما رواه في الاحتجاج عن الحسين بن علي عليهما السلام.
وفي التوحيد عن الرضا عليه السلام في حديث له طويل لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فسألوه أن يحيي لهم موتاهم فوجه معهم علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له اذهب إلى الجبانة فناد بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك يا فلان ويا فلان ويا فلان يقول لكم محمد صلّى الله عليه وآله وسلم قوموا بإذن الله تعالى فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم واقبلت قريش تسألهم عن أمورهم ثم اخبروهم ان محمداً صلّى الله عليه وآله وسلم قد بعث نبياً وقالوا وددنا ان كنا ادركناه فنؤمن به قال عليه السلام ولقد ابرأ الأكمه والأبرص والمجانين وكلّمه البهائم والطير والجن والشياطين.