{ (62)إنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إلَهٍ إلاَّ اللهُ }.
أتى بمن الزائدة للاستغراق تأكيداً للرد على النصارى في تثليثهم { وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ
الْعَزِيْزُ الْحَكِيْمُ } لا أحد سواه يساويه في القدرة التامة والحكمة البالغة ليشاركه في
الألوهية.
{ (63) فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيْمٌ بِالْمُفْسِدِينَ } وعيد لهم وضع المظهر موضع
المضمر ليدل على أن التولي عن الحجج والاعراض عن التوحيد افساد للدين ويؤدي
إلى افساد النفس بل وإلى افساد العالم.
{ (64) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إلاَّ
اللهَ } ان نوحده بالعبادة ونخلص فيها { وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً } ولا نجعل غيره شريكاً له
في العبادة { وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ } ولا نقول عزير ابن الله ولا
المسيح ابن الله ولا نطيع الأحبار فيما احدثوا من التحريم والتحليل لأن كلا منهم
بشر مثلنا.
في المجمع روي "انهم لما نزلت اتخذوا احبارهم ورهبانهم ارباباً { مِنْ دُونِ
اللهِ } قال عدي بن حاتم ما كنّا نعبدهم يا رسول الله قال أليس كانوا يحلون لكم
ويحرمون فتأخذون بقولهم قال نعم قال هو ذاك" { فَإِنْ تَوَلّوْا } عن التوحيد { فَقُولُوْا
اشْهَدُوا بِأَنّا مُسْلِمُونَ } أي لزمتكم الحجّة فاعترفوا بأنا مسلمون دونكم قيل انظر
إلى ما راعى في هذه القصة من المبالغة في الارشاد وحسن التدرج في الحجاج
بيّن أولاً احوال عيسى وما تعاور عليه من الأطوار المنافية للالهية ثم ذكر ما يحل
عقدتهم ويزيح شبهتهم فلما رأى عنادهم ولجاجهم دعاهم إلى المباهلة بنوع من
الاعجاز ثم لما اعرضوا عنها وانقادوا بعض الانقياد عاد عليهم بالارشاد وسلك
طريقاً أسهل وألزم بأن دعاهم إلى ما وافق عليه عيسى والانجيل وسائر الأنبياء
والكتب ثم لما لم يجْد ذلك أيضاً عليهم وعلم ان الآيات والنذر لا تغني عنهم
اعرض عن ذلك وقال اشهدوا بأنّا مسلمون.
{ (65) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيْلُ إلاَّ
مِنْ بَعْدِهِ } قيل تنازعت اليهود والنصارى في إبراهيم وزعم كل فريق انه منهم فترافعوا
إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فنزلت والمعنى أن اليهودية والنصرانية
حدثت بنزول التوراة والانجيل على موسى وعيسى وكان إبراهيم قبل موسى بألف سنة
وعيسى بألفين سنة فكيف يكون عليهما { أَفَلا تَعْقِلُونَ } فتدّعون المحال.