خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ
١٠
إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ
١١
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِيۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ
١٢
وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ
١٣
إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ
١٤
-يس

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (10) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } قال فلم يؤمن من أولئك الرَّهط من بني مخزوم احد.
وفي الكافي في الحديث السابق فهم لا يؤمنون بالله ولا بولاية عليّ عليه السلام ومن بعده قيل
{ { إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ } } [يس: 8] قد رفعوا رؤوسهم { { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً } [يس: 9] الآيتين تقرير لتصميمهم على الكفر والطّبع على قلوبهم بحيث لا تغني الآيات والنّذر بتمثيلهم بالّذِين غلّت اعناقهم والاغلال واصلة الى اذقانهم فلا يخلّيهم يطأطئون فهم مقمحُون رافعون رؤوسهم غاضّون ابصارهم في انّهم لا يلتفتون لفت الحق ولا يعطفون اعناقهم نحوه ولا يطأطئون رؤوسهم له وبمن احاط بهم سدّان فغطّى ابصارهم بحيث لا يبصرون قدّامهم ووراءهم في انّهم محبوسون في مطمورة الجهالة ممنوعون عن النّظر في الآيات والدلائل وقرئ سدّاً بالضمّ وهو لغة فيه.
{ (11) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ } في الكافي في الحديث السابق يعني امير المؤمنين عليه السلام { وَخَشِىَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ }.
{ (12) إِنّا نَحْنُ نُحْيِى الْمَوْتَى } الاموات بالبعث والجهّال بالهداية { وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا } ما اسلفوا من الأعمال الصالحة والطالحة { وَآثَارَهُمْ } كعلم علّموه وخطوة مشوا بها الى المساجد وكإشاعة باطل وتأسيس ظلم.
في المجمع انّ بني سلمة كانوا في ناحية من المدينة فشكوا الى رسول الله صلّى الله عليه وآله بعد منازلهم من المسجد والصلاة معه فنزلت الآية { وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِى إِمَامٍ مُبِينٍ } قيل يعني اللّوح المحفوظ والقمّي يعني في كتاب مُبين وعن امير المؤمنين عليه السلام انّه قال انا والله الإِمام المبين ابيّن الحقّ من الباطل ورثْتُه منْ رسول الله صلّى الله عليه وآله.
وفي المعاني عن الباقر عن ابيه عن جدّه عليهم السلام قال لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وآله { وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِى إِمامٍ مُبِينٍ } قام ابو بكر وعمر من مجلسهما وقالا يا رسول الله هو التوراة قال لا قالا فهو الانجيل قال لا قالا فهو القرآن قال لا قال فأقبل امير المؤمنين عليه السلام فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله هو هذا انّه الإِمام الذي احصى الله فيه علم كلّ شيء.
وفي الإِحتجاج عن النبيّ صلّى الله عليه وآله في حديث قال معاشر النّاس ما من علم الاّ علّمنيه ربّي وانا علّمته عليّاً وقد احصاه الله فيّ وكلّ علم علمت فقد احصيته في إِمام المتّقين وما من علم الاّ علّمته عليّاً.
{ (13) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ } قرية انطاكية { إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ } قيل ارسلهم الله او ارسلهم عيسى على نبيّنا وآله وعليه السلام بأمر الله.
{ (14) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا } فقوّينا { بِثَالِثٍ } هو شمعون { فَقَالُوا إِنّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ }
القمّي عن الباقر عليه السلام انه سئل عن تفسر هذه الآية فقال بعث الله رجلين الى اهل مدينة انطاكية فجاءاهم بما لا يعرفون فغلظوا عليهما فأخذوهما وحبسوهما في بيت الاصنام فبعث الله الثالث فدخل المدينة فقال ارشدوني الى باب الملك قال فلمّا وقف على الباب قال انا رجل كنت اتعبّد في فلاة من الارض وقد احببت ان اعبد اله الملك فأبلغوا كلامه الملك فقال ادخلوه الى بيت الآلهة فأدخلوه فمكث سنة مع صاحبيه فقال لهما بهذا ينقل قوم من دين الى دين بالخرق افلا رفقتما ثم قال لهما الا تقرّان بمعرفتي ثمّ ادخل على الملك فقال له الملك بلغني انّك كنت تعبد إلهي فلم ازل وانت اخي فسلني حاجتك فقال ما لي من حاجة ايّها الملك ولكن رأيت رجلين في بيت الآلهة فما حالهما قال الملك هذان رجلان أتياني ببطلان ديني ويدعواني الى إله سماويّ فقال ايّها الملك فمناظرة جميلة فان يكن الحقّ لهما اتّبعناهما وان يكن الحقّ لنا دخلا معنا في ديننا وكان لهما ما لنا وعليهما ما علينا قال فبعث الملك اليهما فلمّا دخلا اليه قال لهما صاحبهما ما الّذي جئتماني به قالا جئنا ندعوه الى عبادة الله الذي خلق السموات والأرض ويخلق في الارحام ما يشاء ويصوّر كيف يشاء وانبت الاشجار والثمار وانزل القطر من السّماء قال فقال لهما الهكما هذا الذي تدعوان اليه وإلى عبادته ان جئنا بأعمى أيقدر أن يردّه صحيحاً قالا ان سألناه أن يفعل فعل ان شاء قال: أيّها الملك عليّ بأعمى لم يبصر شيئاً قط قال فاتي به فقال لهما ادعوا إلهكما ان يردّ بصر هذا فقاما وصليا ركعتين فاذا عيناه مفتوحتان وهو ينظر الى السّماء فقال ايّها الملك عليَّ بأعمى آخر فأتي به قال فسجد سجدة ثمّ رفع رأسه فاذا الاعمى يبصر فقال ايّها الملك حجّة بحجّة عليّ بمقعدٍ فأُتِي به فقال لهما مثل ذلك فصلّيا ودَعَوا الله فاذا المقعد قد اطلقت رجلاه وقام يمشي فقال ايّها الملك عليّ بمُقعد آخر فأتى به فصنع به كما صنع اوّل مرّة فانطلق المُقعد فقال أيُّها الملك قد اتيا بحجّتين واتينا بمثلهما ولكن بقي شيء واحد فان كان هما فعلاه دخلت معهما في دينهما ثمّ قال ايّها الملك بلغني انّه كان للملك ابن واحد ومات فان احياه آلههما دخلت معهما في دينهما فقال له الملك وانا ايضاً معك ثم قال لهما قد بقيت هذه الخصلة الواحدة قد مات ابن الملك فادعوا الهكما ان يحييه قال فخرّا ساجدين لله عزّ وجلّ وأطالا السجود ثمّ رفعا رؤوسهما وقالا للملك ابعث الى قبر ابنك تجده قد قام من قبره ان شاء الله قال فخرج النّاس ينظرون فوجدوه قد خرج من قبره ينفض رأسه من التراب قال فَأُتِيَ به الملك فعرف انّه ابنه فقال ما حالك يا بنيّ قال كنت ميّتاً فرأيت رجلين بين يدي ربّي الساعة ساجدين يسألانه ان يحييني فأحياني قال يا بنيّ تعرفهما اذا رأيتهما قال نعم قال فاخرج النّاس جملة الى الصحراء فكان يمرّ عليه رجل رجل فيقول له ابوه انظر فيقول لا ثم مرّوا عليه بأحدهما بعد جمع كثير فقال هذا احدهما واشار بيده اليه ثمّ مرّوا ايضاً بقوم كثيرين حتّى رأى صاحبه الآخر فقال وهذا الآخر قال فقال النبيّ عليه السلام صاحب الرجلين امّا انا فقد آمنت بإلهكما وعلمت انّ ما جئتما به هو الحقّ قال فقال الملك وانا ايضاً آمنت بإلهكما وآمن اهل مملكته كلّهم.
وفي المجمع قال وهب بن منبه بعث عيسى هذين الرّسولين الى انطاكية فأتياها ولم يصلا الى ملكها وطالت مدّة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبّرا وذكرا الله فغضب وامر بحبسهما وجلد كلّ واحد منهما مأة جلدة فلمّا كذّب الرّسولان وضربا بعث عيسى عليه السلام شمعون الصّفا رأس الحواريّين على اثرهما لينصرهما فدخل شمعون البلدة منكّراً فجعل يعاشر حاشية الملك حتّى انسوا به فرفعوا خبره الى الملك فدعاه ورضي عشرته وأنس به واكرمه ثم قال له ذات يوم ايّها الملك بلغني انّك حبست رجلين في السجن وضربتهما حين دعواك الى غير دينك فهل سمعت قولهما قال الملك حال الغضب بيني وبين ذلك قال فان رأى الملك دعاهما حتّى يتطلّع ما عندهما فدعاهما الملك فقال لهما شمعون من ارسلكما الى ههنا قالا الله الذي خلق كلّ شيء لا شريك له قال وما اتاكُما قالا ما تتمنّاه فأمر الملك حتّى جاؤوا بغلام مطموس العينين وموضع عينيه كالجبهة فما زالا يدعوان الله حتّى انشقّ موضع البصر فأخذا بندقتين من الطين فوضعاهما في حدقتيه فصارا مقلتين يبصر بهما فعتجّب الملك فقال شمعون للملك أرأيت لو سألت آلهك حتّى يصنع صنيعاً مثل هذا فيكون لك ولالهك شرفاً فقال الملك ليس لي عنك سر انّ إلهنا الذي نعبده لا يضرّ ولا ينفع ثم قال الملك للرّسولين ان قدر إلهكما على احياء ميّت آمنّا به وبكما قالا إلهنا قادر على كلّ شيء فقال الملك انّ هيهنا ميّتاً مات منذ سبعة ايّام لم ندفنه حتّى يرجع ابوه وكان غائباً فجاؤا بالميّت وقد تغيّر وأروح فجعلا يدعوان ربّهما علانية وجعل شمعون يدعو ربّه سرّاً فقام الميّت وقال لهم انّي قد متّ منذ سبعة ايّام وادخلت في سبعة اودية من النّار وانا احذّركم ما انتم فيه فآمنوا بالله فتعجّب الملك فلمّا علم شمعون انّ قوله اثّر في الملك دعاه الى الله فآمن وآمن من اهل مملكته قوم وكفر آخرون وقد روى مثل ذلك العيّاشي بأسناده عن الثمالي وغيره عن ابي جعفر وابي عبد الله عليهم السلام الاّ انّ في بعض الروايات بعث الله الرّسولين الى انطاكية ثم بعث الثالث وفي بعضها انّ عيسى عليه السلام اوحى الله اليه ان يبعثهما ثم بعث وصيّه شمعون ليخلّصهما وان الميّت الّذي احياه الله بدعائهما كان ابن الملك وانّه قد خرج من قبره ينفض التراب من رأسه فقال له يا بنيّ ما حالك قال كنت ميتاً فرأيت رجلين ساجدين يسألان الله ان يحييني قال يا بنيّ فتعرفهما اذا رأيتهما قال نعم فأخرج النّاس الى الصحراء فكان يمرّ عليه رجل بعد رجل فمرّ احدهما بعد جمع كثير فقال هذا احدهما ثم مرّ الآخر فعرفهما واشار بيده اليهما فآمن الملك وأهل مملكته الى هنا كلام صاحب المجمع.