خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً
١٥
وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً
١٦
إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
١٧
-النساء

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (15) وَاللاتي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ } اي يفعلنها قيل الفاحشة الزنا سمي بها لزيادة قبحها وشناعتها { فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ } فاطلبوا ممن قذفهن أربعة من الرجال المؤمنين تشهد عليهن { فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ } فاحبسوهن فيها { حَتَّى يَتَوَفَاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } هذه الآية والتي بعدها منسوختان بآية الزانية والزاني.
ففي الكافي عن الباقر عليه السلام في حديث وسورة النور انزلت بعد سورة النساء وتصديق ذلك أن الله تعالى أنزل عليه في سورة النساء واللاتي يأتين الفاحشة الآية والسبيل الذي قال الله سورة أنزلناها وفرضناها إلى قوله طائفة من المؤمنين.
والعياشي عن الصادق عليه السلام هي منسوخة والسبيل هو الحدود.
وعنه عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية واللاتي يأتين الفاحشة قال هذه منسوخة قيل كيف كانت قال كانت المرأة إذا فجرت فقام عليها أربعة شهود ادخلت بيتاً ولم تحدث ولم تكلم ولم تجالس وَأوتيت بطعامها وشرابها حتى تموت أو يجعل الله لهن سبيلاً قال جعل السبيل الجلد والرجم.
وفي الغوالي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عامة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم.
{ (16) وَالّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إنَّ اللهَ كَانَ تَوَّاباً رَحِيماً }.
القمّي كان في الجاهلية إذا زنا الرجل يؤذى والمرأة تحبس في بيت إلى أن تموت ثم نسخ ذلك بقوله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا الآية انتهى وقيل الآية الأولى في السحاقات وهذه في اللواطين والزانية والزاني في الزناة ولم يثبت عن أهل البيت عليهم السلام.
{ (17) إنّمَا التّوْبَةُ عَلَى اللهِ } أي قبول التوبة الذي أوجبه الله على نفسه بمقتضى وعده من تاب عليه إذا قبل توبته إلا أن على هذه ليست هي على قولهم تاب عليه وقد مضى تحقيقه معنى التوبة عند تفسير الله تعالى آدم من ربه كلمات فتاب عليه { لِلّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ } متلبسين بها سفهاً فان ارتكاب الذنب والمعصية سفه وتجاهل.
في المجمع والعياشي عن الصادق عليه السلام كل ذنب عمله العبد وان كان عالماً فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربه فقد حكى الله سبحانه قول يوسف لاخوته هل علمتم ما فعلتم بيوسف واخيه إذ أنتم جاهلون فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله عز وجل.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قيل له فان عاد وتاب مراراً قال يغفر الله له قيل إلى متى قال حتى يكون الشيطان هو المحسور { ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ } قيل أي قبل أن يشرب في قلوبهم حبه فيطبع عليها ويتعذر عليهم الرجوع أو قبل حضور الموت لقوله تعالى حتى إذا حضر أحدهم الموت سماه قريباً لأن أمد الحياة قريب كما قال سبحانه قل متاع الدنيا قليل.
أقول: التفسير الثاني بعيد عن ظاهر اللفظ بل ولا دلالة في الآية عليه لجواز السكوت عن القسم الثالث كما يقع كثيراً في نظائره من مجملات القرآن وأما الحصر المدلول عليه بلفظة انما فلا ينافي في الأخبار الآتية لأن وجوب القبول غير التفضل به.
في الفقيه قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في آخر خطبة خطبها من تاب قبل موته بسنة تاب الله عليه ثم قال وان السنة لكثيرة ومن تاب قبل موته بشهر تاب الله عليه ثم قال وان الشهر لكثير ومن تاب قبل موته بيوم تاب الله عليه ثم قال وان يوماً لكثير ومن تاب قبل موته بساعة تاب الله عليه ثم قال وان الساعة لكثيرة، ومن تاب وقد بلغت نفسه هذه واهوى بيده إلى حلقه تاب الله عليه.
وفي الكافي والعياشي ما يقرب منه وذكر الجمعة أيضاً وقال في آخره من تاب قبل أن يعاين قبل الله تعالى توبته، وفي رواية العامة من تاب قبل أن يغرغر بها تاب الله عليه.
وفي رواية أن ابليس لما هبط قال وعزتك وعظمتك لا أُفارق ابن آدم حتى يفارق روحه جسده فقال الله عز وجل سبحانه وعزتي وعظمتي لا أحجب التوبة عن عبدي حتى يغرغر بها.
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إذا بلغت النفس هاهنا واشار بيده إلى حلقه لم يكن للعالم توبة ثم قرأ هذه الآية.
وفيه والعياشي عن الباقر عليه السلام مثله وزاد وكان للجاهل توبة.
أقول: لعل السبب في عدم التوبة من العالم في ذلك الوقت حصول يأسه من الحياة بامارات الموت بخلاف الجاهل فانه لا ييأس إلا عند معاينة الغيب، قيل ومن لطف الله تعالى بالعباد ان امر قابض الأرواح بالابتداء في نزعها من أصابع الرجلين ثم يصعد شيئاً فشيئاً إلى أن يصل إلى الصدر ثم ينتهي إلى الحلق ليتمكن في هذه المهلة من الاقبال بالقلب على الله تعالى والوصية والتوبة مالم يعاين والاستحلال وذكر الله فيخرج روحه وذكر الله على لسانه فيرجى بذلك حسن خاتمته رزقنا الله ذلك بمنه { فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ } وعد بالوفاء بما وعد به وكتب على نفسه من قبول التوبة { وَكَانَ اللهُ عَلِيماً } يعلم اخلاصهم في التوبة { حَكِيماً } لا يعاقب التائب.