خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً
٣٧
وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً
٣٨
وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً
٣٩
إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً
٤٠
فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً
٤١
-النساء

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (37) الّذِينَ يَبْخَلُونَ } بما منحوا { وَيَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ }.
في الفقيه عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ليس البخيل من أدى الزكاة المفروضة من ماله وأعطى الباينة في قومه انما البخيل حق البخيل من لم يؤد الزكاة المفروضة من ماله ولم يعط الباينة في قومه وهو يبذر فيما سوى ذلك.
أقول: الباينة العطية سميت بها لأنها أُبينت من المال.
وعن الصادق عليه السلام البخيل يبخل بما في يده والشحيح يشح بما في أيدي الناس وعلى ما في يديه حتى لا يرى في أيدي الناس شيئاً إلا تمنى أن يكون له بالحل والحرام ولا يقنع بما رزقه الله.
وفي الخصال عنه عليه السلام ما كان في شيعتنا فلا يكون فيهم ثلاثة أشياء لا يكون فيهم من يسأل بكفه ولا يكون فيهم بخيل الحديث.
وعن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم
"خصلتان لا يجتمعان في المسلم البخل وسوء الخلق" { وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ } من الغنى والعلم حيث ينبغي الاظهار { وَاعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً } وضع الظاهر موضع المضمر اشعار بأن من هذا شأنه كافر لنعمة الله فله عذاب يهينه كما أهان النعمة بالبخل والإِخفاء.
{ (38) وَالّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النّاسِ } شاركهم مع البخلاء في الذم والوعيد لاشتراكهما في عدم الإِنفاق على ما ينبغي { وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ } ليتحروا بالإِنفاق مراضيه وثوابه { وَمَن يَكُنِ الشّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً } تنبيه على أن الشيطان قرينهم يحملهم على ذلك ويزينه لهم كقوله ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين.
{ (39) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَومِ الآخِرِ وَأَنفَقُوا ممّا رَزَقَهُمُ اللهُ } في طاعة الله توبيخ لهم على الجهل بمكان المنفعة والإِعتقاد في الشيء على خلاف ما هو عليه وتحريض على التفكر لطلب الجواب لعله يؤدي بهم إلى العلم بما فيه من الفوائد والعوائد وتنبيه على أن المدعو إلى أمر لا ضرر فيه ينبغي أن يجيب له احتياطاً فكيف إذا تضمن المنافع وانما قدم الإِيمان هاهنا وأخره في الآية السابقة لأن المقصود هنا التخصيص وثمة التعليل { وَكَانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً } وعيد لهم.
{ (40) إنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقاَلَ ذَرَّةٍ } لا ينقص من الأجر ولا يزيد في العقاب أصغر شيء كالذرة وهي النملة الصغيرة ويقال لكل جزءٍ من أجزائه الهباء والمثقال من الثقل { وَإِن تَكُ حَسَنَةً } وقرئ بالرفع على التامة { يُضَاعِفْهَا } يضاعف ثوابها { وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ } ويعط صاحبها من عنده على سبيل التفضل زائداً على ما وعد في مقابلة العمل { أَجْراً عَظِيماً } عطاء جزيلاً سماه أجر التبعية له.
{ (41) فَكَيْفَ } حالهم من الهول والفزع { إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ } يا محمد { عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً }.
في الكافي عن الصادق عليه السلام نزلت في أمة محمد صلّى الله عليه وآله وسلم خاصة في كل قرن منهم امام شاهد عليهم ومحمد صلّى الله عليه وآله وسلم شاهد علينا.
وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه في حديث يذكر فيه أحوال أهل الموقف فيقام الرسل فيسألون عن تأدية الرسالات التي حملوها إلى أممهم فاخبروا انهم قد ادوا ذلك إلى أممهم وتسأل الأمم فيجحدون كما قال الله فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين فيقولون ما جاءنا من بشير ولا نذير فيستشهد الرسل رسول الله فيشد بصدق الرسل ويكذب من جحدها من الأمم فيقول لكل أمة منهم بلى قد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير أي مقتدر على شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرسل إليكم رسالاتهم ولذلك قال الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وآله وسلم فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً فلا يستطيعون رد شهادته خوفاً من أن يختم الله على أفواههم وأن يشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون ويشهد على منافقي قومه وأمته وكفارهم بالحادهم وعنادهم ونقضهم عهده وتغييرهم سنته واعتدائهم على أهل بيته وانقلابهم على أعقابهم وارتدادهم على ادبارهم واحتذائهم في ذلك سنة من تقدمهم من الأمم الظالمة الخائنة لأنبيائها فيقولون بأجمعهم ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين.
اقول: نزول الآية في هذه الأمة لا ينافي عموم حكمها فلا تنافى بين الروايتين وقد مضى تمام الكلام في هذه في سورة البقرة عند قوله سبحانه وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس.