خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً
٤٢
يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً
٤٣
-النساء

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (42) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً }.
العياشي عن الصادق عن جده عن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة يصف فيها هول يوم القيامة ختم على الأفواه فلا تكلم وتكلمت الأيدي وشهدت الأرجل وانطقت الجلود بما عملوا فلا يكتمون الله حديثاً.
والقمّي قال يتمنى الذي غصبوا أمير المؤمنين عليه السلام أن تكون الأرض تبلعهم في اليوم الذي اجتمعوا فيه على غصبه وان لم يكتموا ما قاله رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فيه.
{ (43) يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ } لا تقوموا إليها { وَأَنتُمْ سُكَارَى } من نحو نوم أو خمر { حَتّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } حتى تنتبهوا وتفيقوا.
في الكافي والعلل والعياشي عن الباقر عليه السلام لا تقم إلى الصلاة متكاسلاً ولا متناعساً ولا متثاقلاً فانها من خلال النفاق وقد نهى الله عز وجل أن تقوموا إلى الصلاة وأنتم سكارى قال سكر اليوم.
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام منه سكر النوم وهو يفيد التعميم.
وفي المجمع عن الكاظم عليه السلام أن المراد به سكر الشراب ثم نسختها تحريم الخمر. ومثله ما روته العامة وأنها نزلت فيمن قرأ في صلاته اعبد ما تعبدون في سكره.
والعياشي عنه هذا قبل أن يحرم الخمر، وعن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية: قال يعني سكر النوم يقول بكم نعاس متكاسلاً يمنعكم أن تعلموا ما تقولون في ركوعكم وسجودكم وتكبيركم وليس كما يصف كثير من الناس يزعمون أن المؤمنين يسكرون من الشراب والمؤمن لا يشرب مسكراً ولا يسكر.
أقول: لما كانت الحكمة تقتضي تحريم الخمر متدرجاً والتأخير في التصريح به كما مضى بيانه في سورة البقرة وكان قوم من المسلمين يصلون سكارى منها قبل استقرار تحريمها نزلت هذه الآية وخوطبوا بمثل هذا الخطاب ثم لما ثبت تحريمها واستقر وصاروا ممن لا ينبغي أن يخاطبوا بمثله لأن المؤمنين لا يسكرون من الشراب بعد أن حرم عليهم جاز أن يقال الآية منسوخة بتحريم الخمر بمعنى عدم حسن خطابهم بمثله بعد ذلك لا بمعنى جواز الصلاة مع السكر ثم لما عم الحكم سائر ما يمنع من حضور القلب جاز أن يفسر بسكر النوم ونحوه تارة وأن يعم الحكم أخرى فلا تنافى بين هذه الروايات بحال والحمد لله على ما رزقنا من فهم كلام خلفائه { وَلاَ جُنُباً إلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتّى تَغْتَسِلُوا }.
في العلل والعياشي عن الباقر عليه السلام والقمّي عن الصادق عليه السلام الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين فان الله تعالى يقول ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا قال بعض البارعين في علم البلاغة من أصحابنا في كتاب الفقه في الصناعات البديعة عند ذكر الإِستخدام بعد ما عرفه بأنه عبارة من أن يأتي المتكلم بلفظة مشتركة بين معنيين مقرونة بقرينتين يستخدم كل قرينة منهما معنىً من معنيي تلك اللفظة قال وفي الآية الكريمة قد استخدم سبحانه لفظة الصلاة لمعنيين أحدهما اقامة الصلاة بقرينة قوله عز وجل حتى تعلموا ما تقولون والآخر موضع الصلاة بقرينة قوله جل ثناؤه ولا جنباً إلا عابري سبيل.
أقول: هذا هو الصواب وهو الموافق لما رويناه من الأخبار في هذا الباب كما دريت لا ما تكلفته العامة تارة بأن المراد بالصلاة في صدر هذه الآية مواضعها وهي المساجد بقرينة عابري سبيل، واخرى بأن المراد بعابري سبيل حالة السفر وذلك إذا لم يجد الماء وتيمم بقرينة حتى تعلموا ما تقولون { وَإن كُنتُم مَرْضَى } قيل يعني مريضاً يخاف على نفسه باستعمال الماء والوصول إليه.
أقول: لا حاجة إلى هذا التقييد لأن قوله تعالى فلم تجدوا ماءً متعلق بالجمل الأربع وهو يشمل عدم التمكن من استعماله لأن الممنوع منه كالمفقود وكذلك تقييد السفر بعدم وجدان الماء وهما مستفادان من النصوص المعصومية ايضاً { أَوْ عَلَى سَفَرٍ } أي متلبسين به إذ الغالب فقدان الماء في أكثر الصحارى { أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنكُم مِنَ الْغَائِطِ } كناية عن الحدث إذ الغائط المكان المنخفظ من الأرض كانوا يقصدون للحديث مكاناً منخفضاً تغيب فيه أشخاصهم عن الرائي { أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ } كناية عن الجماع كذا في المجمع عن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه.
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام قال هو الجماع ولكن الله ستير يحب الستر ولم يسم كما يسمون وعن الباقر عليه السلام ما يعني بهذا أو لامستم النساء إلا المواقعة في الفرج، وفي رواية أخرى في الكافي ان الله حي كريم يعبر عن مباشرة النساء بملامستهن { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً } بأن تفقدوه أو لم تتمكنوا من استعماله كما سبق { فَتَيَمّمُوا صَعِيداً طَيِّباً } فتعمدوا تراباً طاهراً.
وفي المعاني عن الصادق عليه السلام الصعيد الموضع المرتفع والطيب الموضع الذي ينحدر عنه الماء، وقيل الصعيد وجه الأرض تراباً كان أو غيره فيجوز التيمم على الحجر الصلد ويدفعه من القرآن قوله سبحانه في سورة المائدة فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه أي من بعضه وجعل من لابتداء الغاية تعسف إذ لم يفهم من مثله إلا التبعيض وقد ورد في بعض الأخبار تفسيره به كما يأتي في محله ومن الحديث قوله صلّى الله عليه وآله وسلم في معرض التسهيل والتخفيف وبيان امتنان الله سبحانه عليه وعلى هذه الأمة المرحومة في احدى الروايتين جعلت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً فلو كان مطلق الأرض طهوراً لكان ذكر التراب مخلاً بانطباق الكلام على الغرض المسوق له وكان مقتضى الحال أن يقول جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً كما في الرواية الأخرى { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ }.
في الكافي عن الباقر عليه السلام في آية التيمم التي في المائدة فلما وضع الوضوء ان لم يجدوا الماء أثبت بعض الغسل مسحاً لأنه قال بوجوهكم ثم وصل بها وايديكم.
أقول: نبه بذلك على عدم وجوب استيعاب الوجه واليدين بالمسح ثم مسح كما تفعله العامة وان الباء فيه للتبعيض ويأتي تمام الحديث ان شاء الله.
وعنه عليه السلام في صفة التيمم أنه وضع كفيه على الأرض ثم مسح وجهه وكفيه ولم يمسح الذراعين بشيء.
وعن الصادق عليه السلام أنه وصف التيمم فضرب بيديه على الأرض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح على جبينه وكفيه مرة واحدة وفي رواية ثم مسح كفيه إحداهما على ظهر الأخرى.
وعن الرضا عليه السلام التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين.
وعن الباقر عليه السلام هو ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه ومرة لليدين ومتى اصبت الماء فعليك بالغسل ان كنت جنباً والوضوء إن لم تكن جنباً.
أقول: ضرب واحد يعني نوع واحد للطهارتين لا تفاوت فيه كما يستفاد من ظاهر الآية وظواهر الأخبار الواردة في هذا الباب لا أنه ضربة للوضوء واثنتان للغسل كما زعمت جماعة من متأخري أصحابنا كيف ذا وكل ما ورد في بيان بدل الغسل اكتفي فيه بالضربة الواحدة على أنه خلاف ظاهر اللفظ.
وفي الفقيه والتهذيب عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن التيمم من الوضوء ومن الجنابة ومن الحيض للنساء سواء فقال نعم.
أقول: وإنما استحب المرتان فيهما لاشتراط علوق التراب بالكف كما أشرنا إليه فان الضربة في التيمم بمنزلة اغتراف الماء في الوضوء والغسل فلعله ربما يذهب التراب عن الكفين بمسح الوجه ولا يبقى لليدين فالإحتياط يقتضي الضربتين في الطهارتين وأما النفض فلعله لتقليل التراب لئلا يتشوه به الوجه { إنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً } فلذلك يسر الأمر عليكم ورخص لكم.