خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ
١
يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٢
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٣
-المائدة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (1) يا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ }.
القمّي عن الصادق عليه السلام أي بالعهود.
أقول: الإيفاء والوفاء بمعنى والعقد العهد الموثق ويشمل هيهنا كلّ ما عقد الله على عباده والزَمَهُ إيَّاهم من الإيمان به وبملائكته وكتبه ورسله وأوصياءِ رسله وتحليل حلاله وتحريم حرامه والاتيان بفرائضه وسنّته ورعاية حدوده وأوامره ونواهيه وكلّ ما يعقده المؤمنون على أنفسهم للَّهِ وفيما بينهم من عقود الأمانات والمعاملات الغير المحظورة.
والقميّ عن الجواد عليه السلام
"أنّ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم عقد عليهم لعليّ بالخلافة في عشر مواطن ثُمَّ أنْزَلَ اللُّه { يَآ أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بالعُقُود } التي عقدت عليكم لأمير المؤمنين عليه السلام" { أُحِلَّتْ لَكُمْ بهَيمَةُ الأَنْعَامِ } قيل إضافة بيان أريد بها الأزواج الثمانية والمستفاد من ظاهر الاخبار أن بيان حل الأنعام في آيات أُخر.
والمراد هنا بيان حلّ الأجنّة التي في بطونها.
ففي الكافي والتهذيب والفقيه والعياشي عن أحدهما في تفسيرها الجنين في بطن أمّه إذا أشعر وأوبر فذكاته ذكاة أمّه.
وزاد في الكافي والقميّ فذلِك الذي عنى الله عزّ وجلّ به.
وفي رواية وإن لم يكن تامّاً فلا تأكله والعياشي عن الباقر عليه السلام هي الأجنّة التي في بطون الأنعام وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يأمر ببيع الأجنّة.
أقول: لعل هذا يكون أحد معانيها.
ويحتمل أن يكون المراد بهذه الأخبار بيان الفرد الأخفى أو يكون تحديد الأوّل تسميتها بالبهيمة وحلّها فلا ينافي التعميم مع أنه نصّ في حلّ الأم.
والعياشي عنه عليه السلام أنّ عليّاً عليه السلام سئل عن أكل لحم الفيل والدّب والقرد فقال ليس هذا من بهيمة الأنعام الّتي تؤكل { إلاَّ مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ } تحريمه { غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حَرُمٌ } قيل يعني أحلّت لكم في حال امتِنَاعكُمْ مِنَ الصًَّيْدِ وأَنْتُمْ مُحرمُون لئلاَّ يتحرج عليكم.
أقول: وهو لا ينافي عموم حلها سائر الأحوال { إِنَّ اللَّه يحْكُمُ ما يُريدُ } من تحليل وتحريم.
{ (2)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحِّلُوا شَعَآئِرَ اللَّهِ } لا تتهاونوا بحرمات الله جمع شعيرة وهي ما جعله الله شعار الدين وعلامته من أعمال الحج وغيرها { وَلاَ الشَّهْرَ الحَرَامَ } بالقتال فيه.
في المجمع عن الباقر عليه السلام نزلت في رجل من بني ربيعة يقال له الحطم.
أقول: يعني حين قدم حاجّاً وأراد المسلمون قتله في أشهر الحرم لكفره وبغيه وكان قد استاق سرح المدينة قيل هي منسوخة بقوله اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم.
وفي المجمع عنه عليه السّلام لم ينسخ من هذه السورة شيء ولا من هذه الآية لأنّه لا يجوز أن يبتدئ المشركون في الأشهر الحرم بالقتال إلا إذا قاتلوا { وَلاَ الْهَدْيَ } ما أهدى إلى الكعبة { وَلاَ الْقَلآَئِدَ } ما قلّد به الهدي من نعل قد صلى فيه أو غيره ليعلم به أنه هدي فلا يتعرض له { وَلآَ آمِّينَ البَيْتَ الحَرَامَ } قاصدين لزيارته { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنْ رَّبِّهِم وَرِضْوَاناً } أن يثيبهم من فضله ويرضى عنهم أو يرزقهم بالتجارة ويرضى عنهم بنسكهم بزعمهم والمقصود النهي عن التعرّض لهؤلاء وقرئ رضواناً بضمّ الراء { وإِذَا حَلَلْتُمْ } من احرامكم { فَاصْطَادُوا } ان شئتم { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ } ولا يحملنكم ولا يكسبنكم { شَنآنُ قَوْمٍ } شدة بغضهم وعداوتهم وقرئ بسكون النون { أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ } لأن صدّوكم يعني عام الحديبية وقرئ بكسر الهمزة { أَنْ تَعْتَدُوا } بالانتقام { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى } على العفو والإِغضاءِ ومتابعة الأمر ومجانبة الهوى { وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوانِ } للتشفي والانتقام { واتَّقُوا الله إِنَّ اللَّه شدِيدُ العِقَابِ } فانتقامة أشدّ.
{ (3)حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ } بيان لما يتلى عليكم { وَالدَّمُ } أي المسفوح منه لقوله تعالى
{ { أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً } [الأنعام: 145] قيل كانوا في الجاهلية يصبونه في الأمعاءِ ويشوونها { وَلَحْمُ الخِنْزِيرِ } وأن ذكي وإنما خصّ بالذّكر دون الكلب وغيره لاعتيادهم أكله دون غيره { وَمآ أُهِلَّ } رفع الصّوت { لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } كقولهم باسم اللاّت والعزّى عند ذبحه { وَالمُنْخَنِقَةُ وَالمَوْقُوذَةُ وَالمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمآ أَكََلَ السَّبُعُ إلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذالِكُمْ فِسْقٌ } في العيون عن الباقر عليه السلام في تفسيرها الميتة والدمّ ولحم الخنزير معروف وما اهلّ لغير الله به يعنى ما ذبح للأصنام وامّا المنخنقة فانّ المجوس كانوا لاَ يَأكلون الذّبايح ويأكلون الميتة وكانوا يخنقون بالبقر والغنم فاذا انخنقت وماتت أكلوها والموقوذة كانوا يشدّون أرجلها ويضربونها حتى تموت فاذا ماتت أكلوها والمتردّية كانوا يشدّون أعينها ويلقونها من السّطح فاذا ماتت أكلوها والنّطيحه كانوا يناطحون بالكباش فاذا مات أحدها أكلوه وما أكل السّبع الاَّ ما ذكّيتم فكانوا يأكلون ما يأكله الذَئب والأسد فحرّم الله ذلك وما ذبح على النّصب كانوا يذبحون لبيوت النّيران وقريش كانوا يعبدون الشّجر والصّخر فيذبحون لهما وان تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق قال كانوا يعمدون إلى الجزور فيجزونه عشرة أجزاء ثم يجتمعون عليه فيخرجون السّهام فيدفعونها إلى رجل وهي عشرة سبعة لها انصباء وثلاثة لا أنصباء لها فالّتي لها انصباء فالفّذ والتّوأم والمسبل والنّافس والحِلس والزقيب والمعلّى فالفذ له سهم والتوأم له سهمان والمسبل له ثلاثة أسهم والنّافس له أربعة أسهم والحلس له خمسة أسهم والزّقيب له ستّة أسهم والمعلّى له سبعة أسهم والّتي لا انصباءَ لها السّفيح والمنيح والوغد وثمن الجزور على من لم يخرج له من الأنصباءِ شيء وهو القمار فحرّمه الله.
والقميّ مثله.
وفي الفقيه والّتهذيب عن الجواد عليه السلام ما يقرب منه الاّ أنّه قال والموقوذة الّتي مرضت ووقذها المرض حتى لم تكن بها حركة قال عليه السلام وكانوا في الجاهلية يشترون بعيراً فيما بين عشرة أنفس ويستقسمون عليه بالقداح ثمّ ذكر أسماءها السبعة والثّلاثة كما ذكر قال فكانوا يجيلون السّهام بين عشرة فمن خرج باسمه سهم من الّتي لا انصباء لها أُلزم ثلث ثمن البعير فلا يزالون كذلك حتّى تقع السّهام الثّلاثة الّتي لا انصباء لها إلى ثلاثة منهم فيلزمونهم ثمن البعير ثمّ ينحرونه ويأكله السّبعة الّذين لم ينقدوا في ثمنه شيئاً فلمَّا جاء الاسلام حرّم الله تعالى ذكره ذلك فيما حرّم فقال عزّ وجلّ { وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ } يعني حرام.
أٌقول: معنى تجزيته عشرة أجزاء اشتراؤه فيما بين عشرة أنفس كما ذكر في حديث الجواد عليه السلام لا تجزية لحمه والأنصباء جمع نصيب والفذّ بالفاءِ والذّال المعجمة المشدّدة.
والتّوأم بالتَّاءِ المثنَّاة الفوقانيّة والهمزة والمُسبل كمُحسن بالسّين المهملة والباءِ الموحّدة والنّافس بالنّون والفاءِ والسّين المهملة والحِلس بكسر الحاءِ وسكون اللاّم والسّين المهملة وقد يحرّك والزّقيب بالزّاي والقاف على وزن فعيل والمعلى بضمّ الميم وسكون العين وفتح اللاّم والسّفيح بالسّين المهملة والفاءِ والحاءِ المهملة على وزن فعيل كالمنيح بالنّون والحاءِ المهملة.
والوغد بالواو والغين المعجمة والدّال المهملة وقيل معنى الاستقسام بالأزلام طلب معرفة ما قسّم لهم بالأقداح يعني السّهام وذلك أنهّم إذا قصدوا فعلاً ضربوا ثلاثة أقداح مكتوب على أحدها أمرني رَبِّي وعلى آخر نهاني ربّي وَعلى الثّالث غفَل فان خرج الأمر مَضَوا على ذلكِ وان خرج الناهي تجنّبوا عنه وان خرج الغَفَل اجالوها ثانياً.
وفي بعض الأخبار إيماء إلى ذلك كما يأتي في أواخر السّورة ويمكن التّوفيق بالتّعميم وقوله تعالى { الاَّ ما ذكّيتم } يرجع الى ما تقدم ذكره من المحرّمات سوى ما لا يقبل الذّكاة من الخنزير والدّم كذا في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام والعيَاشي عن الرّضا عليه السّلام المتردّية والنّطيحة وما أكل السَّبعُ اذا ادركت ذكاته فكله.
وفي المجمع عَن الباقر والصّادق عليهما الصّلاة والسّلام ان أدنى ما يدرك به الذَّكاة أن يدركه وهو يحرّك أذنه أو ذنَبه أو يطرف عينيه.
وفي الكافي عن الصّادق عليه السّلام في كتاب عليّ عليه السلام إذا طرفت العين أو ركضت الرِّجل أو تحرّكت الذَّنَب فكُلْ منه فقد أدركت ذكاته وفي معناه أخبار آخر اليَوْمَ الآن { يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ } انقطع طمعهم من دينكم أن تتركوه وترجعوا منه إلى الشرّك.
القميّ قال ذلك لمّا نزلت ولآية أمير المؤمنين عليه السلام { فَلا تَخْشَوْهُمْ } أن يظهروا على دين الإِسلام ويردّوكم عن دينكم { وَاخْشَوْنِ } ان خالفتم أمري ان تحلّ بكم عقوبتي { اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نَعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلام دِيناً } في المجمع عنهما عليهما السّلام أنّما نزل بعد أن نصب النّبّي صلىّ اللَّه عليه وآله عليّاً صلوات الله عليهما علماً للأنام يوم غدير خمّ عند منصرفه عن حجّة الوداع قالا (ع) وهي آخر فريضة أنزلها الله ثم لم تنزل بعدها فريضة.
وفي الكافي عن الباقر الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى وكان الولاية آخر الفرايض فأنزل الله { اليوم أكملت لكم دينكم } قال لا أنزل بعد هذه فريضة قد أكملت لكم الفرائض.
والعياشي والقميّ عنه ما يقرب منه.
أَقول: انّما أكملت الفرائض بالولاية لأنّ النّبي صلّى الله عليه وآله أنهى جميع ما استودعه الله من العلم إلى عليّ صلوات الله عليه ثمّ ذريّته الأوصياء واحداً بعد واحد فلمّا أقامهم مقامه وتمكّن النّاس من الرّجوع إليهم في حلالهم وحرامهم واستمرّ ذلك بقيام واحد به بعد واحد كمل الدّين وتّمت النّعمة انشاء الله وقد ورد هذا المعنى بعينه عنهم عليهم السّلام ويأتي ما يقرب منه في خطبة الغْدير { فَمَنِ اضْطُرَّ } متصل بذكر المحرّمات وما بينهما اعتراض المعنى فمن اضطرّ إلى تناول شيء من هذه المحرّمات { فيِ مَخْمَصَةٍ } في مجاعة { غَيْرَ مُتَجَانِفٍ } غير مايل { لإِثْمٍ }.
والقمي عن الباقر عليه السّلام غير متعمّد الإِثم.
أقول: وذلك بأن يأكلها تلذّذاً أو مجاوزاً حد الرخصة وهذا كقوله سبحانه غير باغ ولا عاد.
وقد مضى تفسيرها في سور البقرة { فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } لا يؤاخذه بأكله.