خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٦
وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٧
-المائدة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (6) يآ أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إلىَ الصَّلاةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } وقرء بنصب الأرجل وهو مردود عندنا كما يأتي وأريد بالقيام القيام من النّوم. ففي التّهذيب والعيَاشي عن الصّادق عليه السّلام أنَه سئل ما معنى إذا قمتم قال إذا قمتم من النّوم.
والعيَاشي عن الباقر عليه السّلام سئل ما عنى بها قال عن النّوم فاسترحنا من تكلّفات المفسّرين واضماراتهم وأمّا وجوب الوضوءِ بغير حدث النّوم فمستفاد من الأخبار كما أن وجوب الغسل بغير الجنابة مستفاد من محلّ آخر وكما أنّ سائر مجملات القرآن إنما يتبّين بتفسير أهل البيت وهم أدرى بما نزل في البيت من غيرهم والوجه ما يواجه به فلا يجب تخليل الشّعر الكثيف أعني الّذي لا يرى البَشرَة خلاله في التّخاطب إذ المواجهة حينئذٍ إنّما تكون بالشّعر لا بما تحته كما ورد عن الباقر عليه السّلام كلّ ما أحاط به الشّعر فليس على العباد أن يطلبوا ولا أن يبحثوا عنه ولكن يجري عليه الماء رواه في التهذيب وفيه وفي الكافي عن أحدهما عليهما السلام أنّه سئل عن الرجل يتوضّأ أيبطّن لحيته قال لا.
وأمّا حدّ الوجه ففي الفقيه وفي الكافي والعّياشي عن الباقر عليه السلام الوجه الّذي أمرالله بغسله الّذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه إن زاد عليه لم يؤجر وان نقص منه أثم ما دارت الوسطى والإبهام من قصاص شعر الرأس إلى الذّّقن وما جرت عليه الأصبعان من الوجه مستديراً فهو من الوجه وما سوى ذلك فليس من الوجه قيل الصّدغ ليس من الوجه قال لا وأمّا في سائر الأعضاءِ فيجب ايصال الماءِ والبلل الى البشرة وتخليل ما يمنع من الوصُول كما هو مقتضى الأمر بالغسل والمسح فلا يجزي المسح على القلنسوة ولا على الخفّين في التّهذيب عن الباقر عليه السّلام
"جمع عمر ابن الخطّاب أصحاب رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم وفيهم عليّ عليه السّلام فقال ما تقولون في المسح على الخفّين فقام المغيرة بن شعبة فقال رأيت رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم يمسح على الخفّين فقال عليّ قبل المائِدة أو بعد المائِدة فقال لا أدري فقال عليّ سبق الكتاب الخفّين إنّما نزلت المائِدة قبل أن يقبض صلىّ الله عليه وآله بشهرين أو ثلاثة" .
أقول: المغيرة بن شعبة هذا هو أحد رؤساء المنافقين من أصحاب العقبة والسّقيفة لعنهم الله.
وفي الفقيه
"روت عائشة عن النّبي صلىّ الله عليه وآله أنّه قال أشدّ النّاس حسرةً يوم القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره" .
وروى عنها أنهّا قالت لأن امسح على ظهر عير بالفلاة أحبّ إليّ من أن أمسح على خفّي ولم يعرف للنبّي صلىّ الله عليه وآله خفّ الأّخفّ هداه النّجاشي وكان موضع ظهر القدمين منه مشقوقاً فمسح النّبي صلىّ الله عليه وآله رجليه وعليه خفَّاه فقال الناس انّه مسح على خفّيه وعلى انّ الحديث في ذلك غير صحيح الأسناد انتهى كلام الفقيه ولمّا كانت اليد تطلق على ما تحت الزند وعلى ما تحت المرفق وعلى ما تحت المنكب بيّن الله سبحانه غاية المغسول منها كما تقول لغلامك اخضب يدك إلى الزّند وللصّيقل صقّل سيفي الى القبضة فلا دلالة في الآية على ابتداء الغسل بالأصابع وانتهائه الى المرافق كما أنّه ليس في هاتين العبارتين دلالة على ابتداء الخضاب والتصقيل باصابع اليد ورأس السّيف فهي مجملة في هذا المعنى يحتاج الى تبيين أهل البيت عليهم السلام والمرفق بكسر أوّله وفتح ثالثه او بالعكس مجمع عظمي الذّراع والعضد ولا دلالة في الآية على ادخاله في غسل اليد ولا على ادخال الكعب في مسح الرجلين لخروج الغاية تارة ودخولها اخرى فهي في هذا المعنى مجملة وانّما تتبيّن بتفسيرهم والغسل يحصل بصبّ الماء على العضو أو غمسه فيه وان لم يدلك فالباء في برؤوسكم للتّبعيض وكذا في بوجوهكم وكذا في المعطوفتين عليهما اعني ارجلكم وايديكم كذا عن الباقر عليه السلام كما يأتي والكعب عظم مائل الى الإِستدارة واقع في ملتقى الساق والقدم نات عن ظهره يدخل نتوه في طرف الساق كالّذي في ارجل البقر والغنم وربّما يلعب به الأطفال وقد يعبّر عنه بالمفصل لمجاورته له وانّما اختلف النّاس فيها لعدم غورهم في كلام اهل اللّغة واصحاب التشريح واعراضهم عن التأمّل في الأخبار المعصومية ولمّا كانت الرِّجل تطلق على القدم وعلى ما تحت الركبة وعلى ما يشمل الفخذ بيّن الله سبحانه غاية الممسوح منها ثمّ دلالة الآية على مسح الرجلين دون غسلهما اظهرمن الشمس في رابعة النهار وخصوصاً على قراءة الجرّ ولذلك اعترف بها جمع كثير من القائلين بالغسل.
في التهذيب عن الباقر عليه السلام أنّه سئل عن قول الله عزّ وجلّ { وامسحوا برؤوسكم وارجلكم الى الكعبين } على الخفض هي ام على النّصب قال بل هي على الخفض.
أقول: وعلى تقدير القراءة على النّصب أيضاً يدلّ على المسح لأنّها تكون حينئذ معطوفة على محلّ الرؤوس كما تقول مررت بزيد وعمرواً اذ عطفها على الوجوه خارج عن قانون الفصاحة بل عن اسلوب العربية روى العامة عن أمير المؤمنين عليه السلام وابن عباس
"عن النبي (ص) أنّه توضّأ ومسح على قدميه ونعليه" .
ورووا أيضاً عن ابن عبّاس أنّه قال انّ كتاب الله المسح ويأبى الناس الاّ الغسل وانه قال الوضوء غسلتان ومسحتان من باهلني باهلته وانّه وصف وضوء رسول الله صلىّ الله عليه وآله فمسح على رجليه.
وفي التّهذيب عن الباقر عليه السلام أنّه سئل عن مسح الرّجلين فقال هو الّذي نزل به جبرئيل.
وفي الكافي عن الصّادق عليه السّلام أنّه يأتي على الرّجل ستّون وسبعون سنة ما قبل الله منه صلاة قيل وكيف ذلك قال لأنّه يغسل ما أمر الله بمسحه.
وفي الفقيه عن علي عليه السلام أن الرجل ليعبد الله اربعين سنة ما يطيعه في الوضوء يغسل ما أمر الله بمسحه.
وفي الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن وضوءِ رسول الله صلّى الله عليه وآله فدعا بطست أو تور فيه ماء فغمس يده اليمنى فغرف بها غرفة فصبّها على وجهه ثم غمس كفّه اليسرى فغرف بها غرفة فأفرغ على ذراعه اليمنى فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكف لا يردها إلى المرفق، ثم غمس كفه اليمنى فأفرغ بها على ذراعه اليسرى من المرفق وصنع بها مثل ما صنع باليمنى ثمّ مسح رأسه وقدميه ببلّ كفّه لم يحدث لهما ماءً جديداً ثم قال ولا يدخل أصابعه تحت الشِّراك قال ثمّ قال أنّ الله تعالى يقول إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وليس له أن يدع شيئاً من وجهه إلاَّ غسله وأمر بغسل اليدين إلى المرفقين فليس له أن يدع شيئاً من يديه إلى المرفقين إلاّ غسله لأنّ الله تعالى قال اغسلو وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ثم قال وامسحُوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين فإِذا مسح بشيءٍ من رأسه أو بشيء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأ فقيل أين الكعبان قال هيهنا يعني المفصل دون عظم الساق قيل هذا ما هو فقال هذا من عظم السَّاق والكعب أسفل من ذلك قيل أصلحك الله فالغرفة الواحدة تجري للوجه وغرفة للذّراع قال نعم إذا بالغت فيها والثّنتان تأتيان على ذلك كلّه.
وفي الفقيه والعيّاشي عن زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السّلام الا تخبرني من أين علمت وقلت أنّ المسح ببعض الّرأس وببعض الرّجلين فضحك عليه السّلام ثم قال يا زرارة قاله رسول الله صلىّ الله عليه وآله ونزل به الكتاب من الله لأنّ اللَّه تعالى يقول فاغسلوا وجوهكم فعرفنا أنّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل ثمّ قال وأيديكم الى المرافق فوصل اليدين الى المرفقين بالوجه فعرفنا أنّه ينبغي لهما أن يغسلا الى المرفقين ثم فصل بين الكلام فقال ومسحوا برؤوسكم فعرفنا حين قال برؤوسكم أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباءِ ثمّ وصل الرّجلين بالرّأس كما وصل اليدين بالوجه فقال { وأرجلكم إلى الكعبين } فعرفنا حين وصلها بالرأس أنّ المسح على بعضهما ثم فسَّر ذلك رسول الله للنّاس فضيّعوه الحديث ويأتي تمامه عن قريب وأشار إليه بقوله لمكان الباءِ إنّ الباء للتبّعِيض فلا وجه لانكار سيبويه مجيئها له في سبعة عشر موضعاً من كتابه.
وانّما بسطنا الكلام في تفسير آية الوضوءِ لعموم البلوى بها وكثرة الاختلاف فيها والحمد لله على ما هدانا ببركة أهل بيت نبيّه صلوات الله عليهم وتمام الكلام فيه يطلب من كتابنا الوافي { وَإِنْ كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ } عطف على جزاءِ الشرّط الأوّل أعني فاغسلوا وجوهكم يعني اذا قمتم من النّومِ الى الصّلاة فتوضّؤوا وان كنتم جنباً فاغتسلُوا يدلّ عليه قوله تعالى وان كنتم مرضى فانّه مندرج تحت الشّرط البتّة فلو كان قوله وان كنتم معطوفاً على قوله اذا قمتم أو كان مستأنفاً لم يتناسق المتعاطفان وللزم أن لا يستفاد الإرتباط ما بين الغسل والصّلاة من الآية ولم يحسن لفظة إن بل ينبغي أن يقال واذا كنتم جنباً كما هو غير خاف على من تتّبع أساليب الكلام ويدلّ عليه أيضاً ما في الكافي عن الباقر عليه السّلام أنه سئل عن المرأة يجامعها الرّجل فتحيض وهي في المغتسل قال جاءها ما يفسد الصّلاة فلا تغتسل وفي التهذيب عن الصّادق عليه السّلام أنّه سئل عن غسل الجنابة فقال تبداً فتغسل كفّيك ثمّ تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك ومرافقك ثمّ تمضمض واستنشق ثمّ تغسل جسدك من لدن قرنك الى قدميك ليس بعده ولا قبله وضوء وكلّ شيء أمْسَسته الماء فقد أنقيته ولو أنّ رجلاً ارتمس في الماء ارتماسة واحدة اجزأه ذلك وان لم يدلك جسده.
وفي الكافي مقطوعاُ إن لم يكن أصاب كفّه شيء غمسها في الماءِ ثم بدا بفرجه فأنقاه بثلاث غرف ثمّ صب على رأسه ثلاث أكفّ ثمّ صبّ على منكبه الأيمن مرّتين وعلى منكبه الأيسر مرّتين فما جرى عليه الماء أجزأه { وَإِنِ كُنتُم مَّرَْضَى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُم مِّنَ الغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ } قد مضى تفسير هذه الآية في سورة النّساء فلا حاجة الى اعادته.
وفي الفقيه في حديث زرارة السّابق آنفاً متّصلاً بآخره ثم قال ولم تجدوا ماءً فتيمموا صَعيداً طيّباُ فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه فلمّا وضع الوضوء إن لم يجدوا الماء أثبت بعض الغسل مسحاً لأنّه قال بوجوهكم ثم وصل بها وأيديكم ثم قال منه أي من ذلك التّيمّم لأنه علم أنّ ذلك أجمع لم يجر على الوجه لأنّه يعلق من ذلك الصّعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها قوله عليه السّلام من ذلك التّيمّم الظّاهر أنّ المراد به المتيمّم به بدليل قوله ان ذلك يعني الصّعيد أجمع لم يجر على الوجه ويستفاد منه أنّ لفظة من في منه للتّبعيض وأنّه يشترط علوق التّراب بالكفّ وأنّ لا يجوز التّيممّ بالحجر الغير المغبّر كما مضى تحقيقه { مَا يُرِيدُ اللَّهُ } بفرض الطّهارات { لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ } من ضيق { وَلكِن يُريدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } من الأحداث والذّنوب فانّ الطّهارة كفّارة للذّنوب كما هي رافعة للأحداث { وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } بهذا التّطهير { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } نعمته.
{ (7) وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } بالإسلام ليذكركم المعم يرغّبكم في شكره { وَمِيثَاقََهُ الَّذِى وَاثَقَكُم بِهِ } قيل يعني عند اسلامكم بأن تطيعوا الله فيما يفرضه عليكم سَََرَّكم أو ساءَكم.
وفي المجمع عن الباقر عليه السّلام أنّ المراد بالميثاق ما بيّن لهم في حجّة الوداع من تحريم المحرمات وكيفيّة الطّهارة وفرض الولاية وغير ذلك.
أقول: وهذا داخل في ذاكَ { إذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا }.
القميّ قال لمَّا أخذ رسول الله صلىّ الله عليه وآله الميثاق عليهم بالولاية قالوا سمعنا وأطعنا ثمّ نقضوا ميثاقه { وَاتَّقُواْ اللَّهَ } في إنساء نعمته ونقض ميثاقه { إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } بخفياتها فضلاً عن جليّات أعمالكم.