الصافي في تفسير كلام الله الوافي
{ (73) وَإِلَى ثَمُودَ } وأرسلنا إلى ثمود { أخَاهُمْ صَالِحاً } هم قبيلة أخرى من العرب سمّوا باسم أبيهم الأكبر ثمود بن عابر بن آدم بن سام بن نوح وصالح من ولد ثمود.
وفي الإِكمال عن الباقر عليه السلام واما صالح فانه أرسل إلى ثمود وهي قرية واحدة لا تكمل أربعين بيتاً على ساحل البحر صغيرة { قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } معجزة ظاهرة الدلالة على صحّة نبوّتي { هذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ ءَايَةً } أضافها الى الله لأنّها خلقت بلا واسطة ولذلك كانت آية { فَذَرُوهَا تَأَْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ } العشب { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.
{ (74) وَاذْكُرُواْ إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وبَوَّأكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْحِبَالِ بُيُوتاً } في المجمع يروى أنّهم لطول أعمارهم كانوا يحتاجون إلى أن ينحتُوا في الجبال بيوتاً لأنّ السقوف والأبنية كانت تبلى قبل فناء أعمارهم { فَاذْكُرُواْ ءَالآءَ اللهِ وَلاَ تَعْثَواْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ } أي ولا تبالغوا في الفساد.
{ (75) قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ } انفوا من اتباعه { مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ } للذين استضعفوهم واستذلوهم { لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ } بدل من الذين { أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّنْ رَّبِّهِ } قالوه على الإِستهزاء { قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ }.
{ (76) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إنَّا بالَّذِي آمَنتُم بِهِ كَافِرُونَ }.
{ (77) فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ } اسند العقر إلى جميعهم وان لم يعقرها الا بعضهم لأنّه كان برضاهم { وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ } تولوا واستكبروا عن امتثاله عاتين وهو ما أمر به على لسان صالح فذروها تأكل في أرضِ الله { وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ }.
{ (78) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ } الزلزلة وفي سورة هود { { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ } [الحجر: 73] وفي سورة الحجر { { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُأ } [الحجر: 73] ولعلّها كانت من مباديها.
القمّي فبعث الله عليهم صيحة وزلزلة فهلكوا { فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } خامدين ميّتين لا يتحركوا يقال الناس جثم أي قعود لا حراك بهم وأصل الجثوم اللّزوم في المكان.
{ (79) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحبُّونَ النَّاصِحِينَ } قال ذلك متحسراً على ما فاته من إيمانهم متحزّناً لهم بعدما أبصرهم موت صرعى.
في الكافي عن الباقر عليه السلام "أنّ رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم سأل جبرئيل عليه السلام كيف مهلك قوم صالح فقال يا محمّد أنّ صالحاً بعث إلى قومه وهو ابن ستّ عشرة سنة فلبث فيهم حتى بلغ عشرين ومأة سنة لا يجيبونه الى خير قال وكان لهم سبعون صنماً يعبدونها من دون الله فلما رأى ذلك منهم قال يا قوم إنّي بعثت
اليكم وأنا ابن ستّ عشرة سنة وقد بلغت عشرين ومأة سنة وأنا أعرض عليكم أمرين إن شئتم فاسئلوني حتى أسأل إلهي فيجيبكم فيما سألتموني الساعة وان شئتم سألت آلهتكم فان أجابتني بالذي أسألها خرجت عنكم فقد سئمتكم وسئمتموني فقالوا قد أنصفت يا صالح فاتعدوا ليوم يخرجون فيه قال فخرجوا بأصنامهم الى ظهرهم ثم قربوا
طعامهم وشرابهم فأكلوا وشربوا فلما ان فرغوا دعوه وقالوا يا صالح سل فقال لكبيرهم ما اسم هذا؟ قالوا فلان.
فقال له صالح يا فلان أجب فلم يجبه فقال صالح ما له لا يجيب قالوا ادع غيره قال فدعاه كلها بأسمائها فلم يجبه منها شيء فأقبلوا على أصنامهم فقالوا لها ما لك لا تجيبين صالحاً فلم تجب فقالوا تنحّ عنّا ودعنا وآلهتنا ساعة ثم نحّوا بسطهم وفرشهم ونحّوا ثيابهم وتمرّغوا على التراب وطرحوا التراب على رؤوسهم وقالوا لأصنامهم لئن لم
تجيبي صالحاً اليوم لنفضحنّ قال ثمّ دعوه فقالوا يا صالح ادعها فدعاها فلم تجبه.
فقال لهم: يا قوم قد ذهب صدر النهار ولا أرى آلهتكم تجيبني فاسئلوني حتى أدعوا إلهي فيجيبكم الساعة فانتدب له منهم سبعون رجلاً من كبرائهم والمنظور إليهم منهم فقالوا يا صالح نحن نسألك فان اجابك ربّك اتبعناك واجبناك ويبايعك جميع أهل قريتنا.
فقال لهم صالح سلوني ما شئتم فقالوا تقدم بنا الى هذا الجبل وكان الجبل قريباً منهم فانطلق معهم صالح فلمَّا انتهوا الى الجبل قالوا يا صالح ادع لنا ربّك يخرج لنا من هذا الجبل الساعة ناقة حمراء شقراء وَبْراء وعَشْراء بين جنبيها ميل فقال لهم صالح لقد سألتموني شيئاً يعظم عليّ ويهون على ربّي تعالى.
قال: فسأل الله تعالى صالح ذلك فانصدع الجبل صدعاً كادت تطير منه عقولهم لما سمعوا ذلك ثم اضطرب ذلك الجبل اضطراباً شديداً كالمرأة اذا أخذها المخاض ثم لم يفجأهم الا رأسها قد طلع عليهم من ذلك الصدع فما استتمّت رقبتها حتى اجترت ثم خرج سائر جسدها ثم استوت قائمة على الأرض فلما رأوا ذلك قالوا يا صالح ما أسرع ما أسرع ما أجابك ربك ادع لنا ربّك يخرج لنا فصيلها فسأل الله ذلك فرمت به فدب حولها.
فقال لهم يا قوم أبقي شيء؟ قالوا لا انطلق بنا إلى قومنا نخبرهم بما رأينا وهم يؤمنون بك.
قال فرجعوا فلم يبلغ السبعون إليهم حتى ارتد منهم أربعة وستون رجلاً وقالوا سحر وكذب.
قال فانتهوا إلى الجميع وقال الستة حق وقال الجميع سِحر وكذب.
قال فانصرفوا على ذلك ثم ارتاب من الستّة واحد فكان فيمن عقرها، قال الرّاوي فحدثت بهذا الحديث رجلاً من أصحابنا يقال له سعيد بن يزيد فأخبرني أنه رأى الجبل الذي خرجت منه بالشام فرأيت جنبها قد حك الجبل فأثر جنبها فيه وجبل آخر بينه وبين هذا ميل" .
وعن الصادق عليه السلام في قوله تعالى { { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } [القمر: 23] هذا فيما كذّبوا صِالحاً وما أهلك الله تعالى قوماً قطّ حتّى يبعث اليهم قبل ذلك الرسل فيحتجّوا عليهم فبعث الله إليهم صالحاً فدعاهم إلى الله فلم يجيبُوا وعتوا عليه وقالوا لن نؤمن لك حتى تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عَشْرَاء وكانت الصخرة يعظمونها ويعبدونها ويذبحون عندها في رأس كل سنة ويجتمعون عندها فقالوا له ان كنت كما تزعم نبيّاً رسولاً فادع لنا إِلهك حتى يخرج لنا من هذه الصخرة الصمّاء ناقة عشراء فأخرجها الله كما طلبوا منهم.
ثم أوحى الله إليه أن يا صالح قل لهم: إنَّ الله قد جعل لهذه الناقة من الماء شرب يوم ولكم شرب يوم فكانت الناقة اذا كان يوم شربها شربت ذلك اليوم الماء فيحلبونها فلا يبقى صغير ولا كبير الا شرب من لبنها يومهم ذلك فاذا كان الليل وأصبحوا غدوا إلى مائهم فشربوا منه ذلك اليوم ولم تشرب الناقة ذلك اليوم.
فمكثوا بذلك ما شاء الله ثم أنهم عتوا على الله ومشى بعضهم الى بعض فقالوا اعقروا هذه الناقة واستريحوا منها لا نرضى أن يكون لها شرب يوم ولنا شرب يوم ثم قالوا من الذي يلي قتلها ونجعل له جعلاً ما أحبّ فجاء لهم رجل أحمر أشقر أزرق ولد الزّنا لا يعرف له أب يقال له قذّار شقيّ من الأشقياء مشوم عليهم فجعلوا له جعلاً فلمّا
توجّهت الناقة إلى الماء الذي كانت ترده تركها حتى شربت ذلك الماء وأقبلت راجعة فقعد لها في طريقها فضربها بالسيف ضربة فلم تعمل شيئاً فضربها ضربة أُخرى فقتلها وخرّت إلى الأرض على جنبها وهرب فصيلها حتى صعد إلى الجبل فرغا ثلاث مرات إلى السماء
وأقبل قوم صالح فلم يبق أحد منهم الا شركه في ضربته واقتسموا لحمها فيما بينهم فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلاّ أكل منها.
فلمّا رأى ذلك صالح أقبل إليهم فقال يا قوم ما دعاكم الى ما صنعتم أعصيتم ربّكم فأوحى الله إلى صالح أنّ قومك قد طغوا وبغوا وقتلوا ناقة بعثتها إليهم حجّة عليهم ولم يكن عليهم منها ضرر وكان لهم فيها أعظم المنفعة فقل لهم إنّي مرسل إليكم عذابي إلى ثلاثة أيّام فان هم تابوا ورجعوا قبلت توبتهم وصددت عنهم وإن هم لم يتوبوا
ولم يرجعوا بعثت عليهم عذابي في اليوم الثالث.
فأتاهم صالح فقال لهم يا قوم انّي رسول ربكم إليكم وهو يقول لكم إن أنتم تبتم ورجعتم واستغفرتم غفرت لكم وتبت عليكم فلما قال لهم ذلك كانوا اعتى ما كانوا وأخبث وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال يا قوم إنّكم تصبحون غداً ووجوهكم مصفرة واليوم الثاني وجوهكم محمرّة واليوم الثالثة وجوهكم مسودّة.
فلما ان كان أوّل يوم أصبحوا ووجوههم مصفرة فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا قد جاءكم ما قال لكم صالح فقال العتاة منهم لا نسمع قول صالح ولا نقبل قوله وان كان عظيماً فلما كان اليوم الثاني أصبحت وجوههم محمرة فمشى بعضهم الى بعض فقالوا يا قوم قد جاءكم ما قال لكم صالح فقال العتاة منهم لو أُهلكنا جميعاً ما سمعنا قول صالح ولا تركنا آلهتنا التي كان آباؤنا يعبدونها ولم يتوبوا ولم يرجعوا.
فلما كان اليوم الثالث أصبحوا ووجوههم مسودة فمشى بعضهم الى بعض وقال يا قوم قد آتاكم ما قال لكم صالح فقال العتاة منهم قد أتانا ما قال لنا صالح فلما كان نصف الليل أتاهم جبرئيل فصرخ بهم صرخة خرقت تلك الصرخة أسماعهم وفلقت قلوبهم وصدعت أكبادهم وقد كانوا في تلك الثلاثة الأيام قد تحنّطوا وتكفّنوا وعلموا أن العذاب نازل بهم فماتوا أجمعون في طرفة عين صغيرهم وكبيرهم فلم يبق لهم ناعية ولا راعية [ثاغية ولا راغية خ ل] ولا شيء إلاّ أهلكه الله فأصبحوا في ديارهم ومضاجعهم موتى أجمعين ثم أرسل الله عليهم مع الصيحة النار من السماء فأحرقتهم أجمعين وكانت هذه قصتهم.
والقمّي ما يقرب من بعض ما في الحديث في سورة هود.