خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٢
-الفاتحة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } قرأ القرّاء بضمّ الدّال وكسر الّلام وقرء فى الشواذّ بفتح الدّال وكسر الّلام وقرء ايضاً بكسر الدّال والّلام لاتباع الدّال لّلام ولام الحمد لتعريف الجنس او الاستغراق وعلى اىّ تقدير فالكلام للحصر وهو على تقدير الاستغراق واضح وعلى تقدير الجنسيّة فالحصر يستفاد من لام لله لانّه للاختصاص والحمد امّا بمعنى ما يحمد عليه وصحّ الحصر حينئذٍ مع ما يترائى من صفات الكمال لغيره تعالى لانّ ما للغير من صفات الكمال انّما هى له تعالى حقيقة واتّصاف الغير بها باعتبار مظهريّته لها لا باعتبار انّها من نفسه او بمعناه المصدرىّ وفاعله الله واصله حمدا لله حمداً ثمّ حذف الفعل ونقل المصدر الى الرّفع وادخل عليه لامّ التعريف وجعل الله خبره بتوسط الّلام للدلالة على الثّبات والاستغراق والحصر وحصر الحمد بهذا المعنى فى الله مع تعدّد الحامدين وكثرتهم لما سيأتى فى سورة البقرة عند قوله { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } [البقرة: 253] من انّه تعالى فاعل كلّ فعل ظاهر من كلّ فاعل وانّه لا فاعل فى الوجود الاّ الله ولا حول ولا قوّة الاّ بالله ولانّ كلّ مادح اذا كان مدحه حمداً يعنى ثناء على جميل واقعىّ اختيارىّ لا يكون مادحاً الاّ اذا صار عقلانيّاً ناظراً بنظر العقل ومتكلّماً بلسان العقل لا بنظر الجهل ونظر نفسه ولا بلسان الجهل ولسانه، ونظر العقل ولسانه نظر الله ولسانه فحمده يكون حينئذٍ حمدا لله لا حمد غير الله، او بمعناه المصدرىّ والله مفعوله والاصل حمدت الله حمداً فحذف الفعل واقيم المصدر مقامه وادخل عليه الّلام وعدل به الى الرّفع وجعل مفعوله بتوسط الّلام خبراً له هذا باعتبار الحدوث والصدور للمعنى المصدرىّ ويجوز ان يعتبر المصدر مبنيّاً للفاعل او المفعول بمعنى اعتبار ثبوت الحدث للفاعل او المفعول واتّصافه به من غير اعتبار الحدوث والصدور فيه، ويكون المعنى الحامديّة لله او المحموديّة لله.
اعلم انّ ما يحمد عليه من صفاته الجماليّة عين ما يسبّح تعالى به من صفاته الجلاليّة لانّ اصل جميع صفاته الثّبوتيّة الجماليّة الّتى يحمد تعالى عليها هو سعة وجوده واحاطته لكلّ وجود وعدم وكلّ موجود ومعدوم لانّ العدم ثابت له نفسه الّتى هى عدم النفسيّة بالوجود والمعدوم محكوم عليه بالعدم بسبب الوجود وسعة وجوده ليست الاّ سعة جملة صفاته واصل جميع صفاته السلبيّة الجلاليّة الّتى يسبّح تعالى بها هو سلب الحدود عنه تعالى وسلب الحدود راجع الى سلب السّلوب ومصداق سلب السّلوب ليس الاّ الوجود وهذا بخلاف الممكنات المحدودات فانّ السّلوب الرّاجعة اليها هى سلوب الوجودات الّتى هى منتزعة من حدود وجوداتها لا من نفس وجوداتها فسبحان من لا يحمد الاّ على ما يسبّح به ولا يسبّح الاّ بما يحمد عليه ولذلك كان قلمّا ينفكّ ذكر التّسبيح عن صريح الحمد او معناه فى الكتاب والسنّة والمراد انشاء الحمد بهذه الكلمة او الاخبار بمحموديّته تعالى ولمّا كان الله اسماً للذّات باعتبار ظهوره والذّات متّحدة مع جميع الصّفات الحقيقيّة وظهور الذّات ظهور لتلك الصّفات كان الكلام فى قوّة ان يقال: الحمد للذّات الجامعة لجميع صفات الكمال لجمعها جميع صفات الكمال.
{ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } قرء بكسر الباء وفتحها من ربّه بمعنى ملكه او جمعه او ربّاه او اصلحه او صاحبه او لزمه والكلّ مناسب، والربّ صفة مشبّهة او اسم فاعل مخفّف رابّ او مصدر اقيم مقام اسم الفاعل، والعالم من العلم او من العلامة مثل الخاتم بمعنى ما يعلم به ويطلق على ما سوى الله جملة وعلى كلّ مرتبة من مراتب ما سوى الله، وعلى كلّ نوع من انواع الموجودات، وعلى كلّ فرد من افراد الانسان كأنّه اعتبر فى اطلاقه اجتماع امور مع نحو اتّحاد بينها وجمعه بالواو والنّون على خلاف القياس وربوبيّته تعالى ليست كربوبيّة المّلاك للاملاك ولا كربوبيّة الاباء للاولاد، ولا كربوبيّة النّفس للاعضاء، بل كربوبيّة النّفس للقوى من حيث انّها تكون محصّلة للقوى ومقوّمة لها وحافظة ومبلّغة لها الى كمالاتها الاوّليّة والثّانويّة فانّ الله تعالى مفيض الوجود على العالمين وحافظ ومقوّم لها ومبلّغ لها الى كمالاتها الاوّليّة والثّانويّة ولذلك عقّبها بقوله { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }.