خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ
٦
-الفاتحة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

فى معاملاتنا مع اهل مملكتنا والكثرات الخارجة من مملكتنا بالتّوسط بين افراط التنصّر وتفريط التّهوّد فانّ الافراط وهو التّجاوز عن الطّريق بعد الوصول اليه يمنعنا عن مشاهدة جمالك بعد ما منحتنا بها، والتّفريط ايضاً يقصّر بنا عن الحضور لديك. والهداية هى ارائة الطّريق سواء كانت مع الايصال الى المطلوب او الى الطّريق او مجرّدة عنهما، وسواء عديّت بنفسها او بالى او بالّلام، والصّراط بالصّاد والسّراط بالسّين والزراط بالزّاء الطّريق وقرء هاهنا بالصّاد والسّين والصّراط الظّاهر ظاهر ومستقيمه معلوم والمستوى منه ما كان فى حاقّ الوسط او مستقيماً وقد يقال المستقيم للطّريق الّذى يكون على اقرب الخطوط الى المقصود وهكذا المستوى والطّريق فى الحركات الاينيّة هو المسافة بين مبدء الحركة ومنتهاها سواء صارت جادّة وطريقاً فى الارض او لم تصر، وهكذا الحال فى الحركات الوضعيّة ويكون المسافة وحدودها فى هاتين الحركتين موجودة قبل الحركة وامّا الحركات الكيفيّة والكمّيّة والجوهريّة فالطّريق فيها وهى مراتب الكيف والكمّ الطّارئة على الجسم المتحرّك ومراتب الصّور الجوهريّة المتعاقبة على الجوهر المتحرّك غير موجود لا قبل الحركة ولا بعدها بل هو كالحركة القطعيّة الّتى لا وجود لها لا قبل الحركة ولا بعدها بل وجودها يكون فى الذّهن بسبب رسم وصول المتحرّك الى حدود المراتب امراً متّصلاً وحدانيّاً فيه والموجود من الطّريق فيها هو مرتبة من الكيف او الكّم او الجوهر الّتى وجودها كالحركة التّوسطيّة عين قوّة عدمها وتكوّنها عين قوّة تصرفها ولذلك اشكل الامر على كثير من اهل النّظر فى بقاء موضوع محفوظ فى هذه الحركات خصوصاً فى الحركات الكميّة والجوهريّة بناء على انّ الجسم التّعليمىّ منتزع عن الجسم الطّبيعى وبتبدّله يتبدّل الجسم الطّبيعىّ وبتبدّله يتبدّل الموضوع وهكذا الحال فى توارد الصّور الجوهريّة فى الحركات الجوهريّة والحقّ انّ الموضوع محفوظ بكمّ ما وصورة ما محفوظين فى ضمن الكمّيّات والصّور الواردة بحافظ شخصىّ غيبىّ ومادّة باقية بكمّ ما وصورةٍ ما فانّ الاتّصال الوحدانىّ مساوٍ للوحدة الشخصيّة وكل مكوّن من الجماد والنّبات والحيوان متحرّك من اوّل تكوّنه فى الكيف والكمّ بل فى الصّور الجوهريّة حتّى ينتهى الى كماله الّلائق بنوعه او شخصه وهذا معنى كون الكون فى التّرقى فانّ الحركة خروجٌ تدريجاً من القوّة الى الفعل والخروج من القوّة الى الفعل معنى التّرقّى وكلّ من هذه خروجه من القوّة الى الفعل من اوّل تكوّنه الى كماله الّلائق به يكون على الصّراط المستقيم والفعليّات الّلائقة به ان لم يمنعه مانع ولم يعقه عائق سوى الانسان من افراد الحيوان فانّه بحسب استكمال بدنه يخرج على الصّراط المستقيم الّلائق بنوعه وشخصه ان لم يعقه عائق وبحسب استكمال نفسه ايضاً يخرج من القوّة الى الفعل على الصّراط الّلائق بنوعه وشخصه ما لم يحصل له استقلال فى اختياره فاذا حصل له استقلال فى اختياره وحان اوان تمرينه وتكليفه فقد يخرج من القوى الى الفعليّات الّلائقة بنوع الانسان من دون حصول فعليّة مخالفة لنوعه متخلّلة بين تلك الفعليّات حتّى يصل الى آخرة فعليّاته وهى مقام الاطلاق والولاية الكليّة وعلويّة علىّ (ع) وهذا نادر وكثيراً ما يخرج من القوى الى الفعليّات الّلائقة به بتخلّل فعليّات غير لائقة به فيكون خروجه الى الفعليّات لا على الصّراط المستقيم الانسانىّ بل قد يعوّد صراطه الى غير الفعليّات الّلائقة به وقوله تعالى { ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشّمال } اشارة الى هؤلاء الّسّلاك، وقد يخرج الانسان الى الطّرق المعوجّة والفعليّات الغير الّلائقة به من دون فعليّة لائقة به فقد ينتهى فى تلك الفعليّات فيصير أخسّ من البهائم او السّباع او الشّيطان وقد يقف فيمسخ بصورة الفعليّة الّتى وقف عليها ولمّا كان الصّراط المستقيم الانسانىّ ادقّ الامور بحيث لا يمكن لكلّ بصير تمييزه، وأحدّ الامور بحيث لا يمكن لكلّ سالك سلوكه من غير زلّة الى احد الطّرفين، وأخفى الامور بحيث لا يمكن لكلّ مدركٍ ادراكه وكان الاشخاص مختلفين فى السّير عليه بحسب فطرتهم وبحسب الاسباب والمعاونات الخارجة وصف بأنّه أدقّ من الشّعر وأحدّ من السّيف وانّه مظلم يسعى النّاس عليه على قدر انوارهم ولكون تلك الفعليّات الّلائقة بالانسان صور مراتب انسانيّة الانسان ومحفوفة بفعليّات الافراط والتّفريط الّتى هى انموذجات الجحيم ومخرجة للانسان فى كلّ مرتبة وفعليّة من صورة من صور مراتب النّيران وموصلة الى صورة مرتبة من مراتب الجنان ورد انّ الصّورة الانسانيّة هى الطّريق المستقيم الى كلّ خير والجسر الممدود بين الجنّة والنّار؛ وانّ الصّراط ممدود على متن جهنّم، ولمّا كان السّلوك على الصّراط الانسانىّ والخروج من القوى الى الفعليّات الانسانيّة مستلزماً للتّوسط بين الافراط والتّفريط فى الاعمال البدنيّة والاحكام الشّرعيّة وفى الاعمال القلبيّة يعنى الاخلاق النّفسيّة والاحوال الطّارئة وفى الاوصاف العقليّة والعقائد الدينيّة وكان التّوسّط فى ذلك مستلزماً للسّلوك على الصّراط الانسانىّ فسّر الصّراط بالتّوسط فى الاعمال والاحوال والاخلاق والعقائد والتّوسّط فى الاعمال مثل التّوسط فى الاكل والشّرب المشار اليه بقوله تعالى { كلوا واشربوا } فانّه اباحةٌ للاكل والشّرب او استحباب او وجوب ومنع عن الامساك { وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ } فانّه منع صريحاً عن الافراط، ومثل التّوسط فى الانفاقات المشار اليه بقوله تعالى { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ } [الإسراء: 29]، ومثل قوله تعالى فى الصّدقات الواجبة او المستحبّة { { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ } [الأنعام: 141]، ومثل قوله تعالى فى الصّلاة او فى مطلق العبادات البدنيّة { { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } [الإسراء: 110]، والتّوسط فى الاحوال كالتّوسط بين الجذب والسّلوك الصّرف، والتّوسط بين القبض والبسط، والتّوسط بين الخوف والرّجاء، والتّوسط فى الاخلاق كالتّوسط بين الشره والخمود المسمّى بالعفّة، والتّوسط بين التّهوّر والجبن المسمّى بالشجاعة، والتّوسط بين الجزبرة والبلاهة المسمّى بالحكمة، والتّوسط بين الظلم والانظلام المسمّى بالعدالة، والتّوسّط فى العقائد كالتّوسط بين التّنزيه المحدّد والتّشبيه المجسّم فى الحقّ الاوّل تعالى شأنه، والتّوسط بين حصر النّبى (ص) والامام (ع) على المرتبة الجسمانيّة واعلائهما الى مرتبة الآلهة فى اعتقاد النّبوّة والامامة، والتّوسط بين الجسمانيّة الطّبيعيّة والروحانيّة الصّرفة فى اعتقاد المعاد وطبقات الجنان ولذّاتها ودركات النيران وآلامها، ولمّا كان الخارج الى الفعليّات الانسانيّة والسّالك على الصّراط المستقيم يصير متحقّقاً بتلك الفعليّات فاذا بلغ الى مقام من مقامات الآلهه وصار به نبيّاً او خليفة وصار بنفسه طريقاً وصراطاً مستقيماً من مقام بشريّته ومقامات روحانيّته وصار ولايته الّتى هى البيعة معه والاتّصال به بنحو مخصوص وكيفيّة خاصّة طريقاً انسانيّاً لانّها طريق الى روحانيّته وروحانيّته طريق حقيقة الى الله صحّ ما ورد عن الصّادق (ع) من انّها الطّريق الى معرفة الله وهما صراطان صراط فى الدّنيا وصراط فى الآخرة فامّا الصّراط فى الدّنيا فهو الامام المفترض الطّاعة؛ من عرفه فى الدّنيا واقتدى بهديه مرّ على الصّراط الّذى هو جسر جهنّم فى الآخرة، ومن لم يعرفه فى الدّنيا زلّت قدمه عن الصّراط فى الآخرة فتردى فى نار جهنّم، وما ورد عنه انّ الصّراط امير المؤمنين (ع) وزيد فى خبرٍ: ومعرفته، وما ورد انّه معرفة الامام (ع) وما ورد من قولهم: نحن الصّراط المستقيم وصحّ ان يقال انّ بشريّة الامام ومعرفة بشريّته من دون معرفة نورانيّته والاتّصال ببشريّته والبيعة معه طريق الى الطّريق الى الله وانّ الطّريق الى الله هو نورانيّة الامام (ع) ومعرفتها والاتّصال بها ويسمّى الاتّصال بالامام (ع) ومعرفته بحسب نورانيّته عند الصّوفيّة بالحضور والفكر واوّل مرتبة ذلك الاتّصال والمعرفة هو ظهور الامام بحسب مقام مثاله على صدر السّالك الى الله وليس المراد بهذا الفكر والحضور ما اشتهر بين مرتاضى العجم من جعل صورة الشيخ نصب العين بالتّعمّل وان كان ورد عن ائمّتنا (ع) الاشعار بمثل هذا المعنى فانّه ورد عن الصّادق (ع) وقت تكبيرة الاحرام تذكّر رسول الله (ص) واجعل واحداً من الائمّة (ع) نصب عينيك، فانّه تقيّد بالصّورة وشبيه بعبادة الاصنام بل المراد انّ السّالك ينبغى ان يجلو مرآة قلبه بالذّكر والاعمال المأخوذة من شيخه، فاذا اجتلى الذّهن وقوى الذّكر وخلا القلب من الاغيار ظهر الشّيخ بمثاله على السّالك فانّ الذّكر المأخوذ منه نازلة وجوده فاذا قوى تمثّل بصورته واذا ظهر الشّيخ بمثاله على السّالك فانّ الذّكر المأخوذ منه نازلة وجوده فاذا قوى تمثّل بصورته واذا ظهر الشّيخ بمثاله رفع كلفة التّكليف عنه والتذّ بحضوره عند محبوبه ورأى انّ كلّ ما يرد عليه انّما هو من محبوبه فيلتذّ بها ولو لم يكن ملائماً لانّه يراها من محبوبه وحينئذٍ قد يكون ظهور الشّيخ بنحو ظهور المباين الخارج على المباين، وقد يكون بنحو الحلول فى وجوده، وقد يكون بنحو الاتّحاد، وقد يكون بنحو فناء السّالك وبقاء الشّيخ وحده وللسّالك فى كلّ من المراتب مراتب ودرجات وحالات وورطات مهلكات اذا اغتّر وخرج من تصرّف الشّيخ ومن عرض حاله عليه فانّه كثيراً يغتّر بما يشاهده من غير تميّز ويعتقد ما عاينه من غير عرض على بصير حتّى يبيّن له سالمه عن سقيمه فيظهر منه ما لا يرضيه الشّرع من مثل انّى انا الله، وليس فى جبّتى سوى الله ويظهر منه اعتقاد الحلول والاتّحاد والوحدة الممنوعة والاباحة والالحاد فى الّشريعة المطهّرة، ولمّا كان السّالك على الفعليّات الانسانيّة يصير الفعليّة الاخيرة صورة له وسائر الفعليّات تصير كالمادّة وشيئيّة الشيئ بصورته لا بمادّته صحّ اضافة الطّريق اليه باعتبار انّه الفعليّة الاخيرة وصحّ تفسيره به باعتبار انّه متحقّق بجميع الفعليّات، ولمّا كانت السّورة تعليماً للعباد كيف يحمدونه ويلتجؤن اليه ويدعونه فقوله تعالى اهدنا تلقين لكلّ العباد ان يدعوه للهداية فمعنى اهدنا بالنّسبة الى غير المسلم دلّنا على الطّريق الّذى هو النّبىّ الّذى هو الطّريق اليك او اوصلنا اليه وبالنّسبة الى المسلم دلّنا على الطّريق الّذى هو الولىّ الّذى يؤمن به او اوصلنا او ابقنا على الصّراط الّذى هو الاسلام باختلاف نظره فانّه ان كان ناظراً الى اسلامه وراضياً به فالمعنى أدمنا، وان كان ملتفتاً الى انّ الاسلام طريق الى الايمان فالمعنى دلّنا او أوصلنا الى الايمان، وبالنّسبة الى المؤمن الغير الحاضر عند شيخه بحسب نورانيّته أدمنا على الطّريق او أوصلنا او دلّنا بحسب اختلاف نظره وبالنّسبة الى الحاضر عند شيخه بحسب نورانيّته أدمنا او اذهب بنا على الطّريق، وبهذه الاعتبارات اختلفت الاخبار فى تفسير "اهدنا" ولمّا كان السّلوك على الصّراط المستقيم الانسانىّ لا يحصل الاّ بالولاية والولاية هى النّعمة الحقيقيّة وبها يصير الاسلام نعمة ابدل تعالى عنه قوله تعالى { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }.