خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ
٢٢
-يونس

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ } بمنزلة التّأكيد والاضراب من غير الابلغ الى الابلغ فى الجواب كأنّه قال: بل نعلم ما تمكرون بدون واسطة الرّسل وانتم بحسب الفطرة تعملون ذلك لانّا نحن الّذى نسيّركم، والتّسيير يستلزم العلم بدقائق احوال المسيّر والمسيّر فيه والمسيّر له وانتم اذا رفع عنكم غشاوة الخيال تعلمون ذلك، لانّكم تدعونه وقت انقطاع الوسائل وحيل الخيال عنكم فتعلمون انّه هو الّذى يعلم حالكم ودعاءكم ويقدر على اجابتكم ورفع البلاء عنكم فتدعونه مخلصين عن اغراض الخيال، لكنّكم اذا رفع عنكم البلاء وتسلّط عليكم الخيال احتجب بأغراضكم الخياليّة واهويتكم النّفسانيّة معلومكم الّذى تكونون مفطورين عليه فتشركون به غيره، فهو تأكيد للجواب وتفظيع لهم بالتّبع، والمراد بتسييره تعالى تمكينه ايّاهم من السّير بتهيّة اسبابه الدّاخلة من قواهم العّلامة والعمّالة والخارجة من تسطيح الارض وتسخير المراكب وجعل ما يحتاج اليه من المأكول والمشروب والملبوس ممّا يمكن نقله، او نقول لكلّ متحرّكٍ لا محالة والمحرّك الاوّل فى الحركات الاختياريّة هو النّفس المسخّر لها القوى والنّفس بالنّسبة الى الله تعالى مثل القوى بالنّسبة الى النّفس لا استقلال لها فى شأن من شؤنها، فكما انّ فعل القوى ينسب الى النّفس حقيقة بل النّفس اولى بنسبتها من القوى فكذلك فعل النّفس بالنّسبة الى الله تعالى فالمسيّر وان كان هى النّفس اوّلا لكنّه الحقّ الاوّل تعالى حقيقة والنّفس كالآلة له؛ فصحّ نسبة التّسيير اليه تعالى بطريق الحصر { فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا } التفات من الخطاب الى الغيبة { جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ } من امكنة البحر يعنى من جميع جوانب السّفن { وَظَنُّوۤاْ } أيقنوا لما مرّ مراراً انّ علوم النّفس ان كانت يقينّةً فهى ظنون، او المراد حقيقة الظّنّ لانّ ظاهر الامواج وان كان مورثاً ليقينهم لكن رجاءهم بالغيب المفطور على العلم به وبقدرته على انجائهم مورث لاحتمال الانجاء { أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ } اى اهلكوا والتّأدية بالماضى للاشارة الى تحقّقه كأنّه وقع وهذا يؤيّد كون الظّنّ بمعنى اليقين وهو صار مثلاً فى الهلاك، واصله من قولهم: احاط به العدوّ فلا سبيل للخلاص له ولا مسلك للخروج { دَعَوُاْ ٱللَّهَ } بدل من ظنّوا بدل الاشتمال، او جواب سؤالٍ مقدّرٍ كأنّه قيل: ما فعلوا؟ { مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } طريق الدّعاء او طريق النّفس الى الله او اعتقادهم التّوحيد وسائر عقائد الدّين او ملّتهم الّتى أخذوها ديناً من نبيّهم ووجه الاخلاص قد مضى من انّ تسلّط الخيال وتصرّفه يورث الشّرك الظّاهر والباطن وحين تراكم البلاء وتلاطم امواجه ينقطع حيله ويفرّ ويقول كالشّيطان: { { إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ } [الأنفال:48] ربّ العالمين فيبقى التّوحيد الفطرىّ بلا معارضٍ ولا حجابٍ { لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } تفسير للمدعوّ به المحذوف تقديره: دعو الله بشيءٍ لئن انجيتنا، او مفعول لقولٍ محذوفٍ حالاً.