خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ
٣
-هود

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } اعلم، انّ اللّطيفة الانسانيّة السّيّارة الّتى يعبّر عنها بالرّوح خلق الله الارواح قبل الأبدان بالفى عام وقد يعبّر عنها بالامانة عرضنا الامانة على السّماوات والارض قد يعبّر عنها بالانسان وبفطرة الله وبقيّة الله وغير ذلك من الاسماء نزلت من عالم القدس، ومقام الاسماء على الصّراط المستقيم الى عالم الطّبع فصارت جسماً وعنصراً وجماداً ونباتاً وحيواناً وانساناً الى ان بلغ او ان البلوغ وحدّ الانسانيّة، وكان عوده الى ذلك المقام على الصّراط المستقيم بمحض تسبيبات آلهيّة من غير مدخليّة لاختياره، وفى هذا المقام يصير برزخاً بين عالمى الجنّة والملائكة ويصير مختاراً مريداً لخيراته نافراً عن شروره مميّزاً لهما، فان ساعده التّوفيق وصار اختياره موافقاً لفطرته سلك باختياره على الصّراط المستقيم الى الله، وان لم يساعده التّوفيق وصار اختياره مخالفاً لفطرته وموافقاً لمراد الشّيطان رجع عن الصّراط المستقيم الى دار الجنّة ومهوى الجحيم، فان تنبّه وتذكّر انّ سلوكه كان الى الجحيم وانّ كلّما فعله فى هذا السّلوك كان موذياً للطيفته الانسانيّة صار حاله مثل من وقع فى سجنٍ ضيّقٍ مملوٍّ من العذرات والجيف المنتنة والحشرات الموذية مستدعياً من السّجّان ستر تلك ما لم يتخلّص من السّجّن وهذا استغفاره من السّجّان، فاذا وجد مهرباً فرّ منه وهذا الفرار توبة عامّة اى التّوبة من المعصية ثمّ اذا وجد دليلاً يدلّه على الطّريق او على المقصد فرّ الى طريق المقصد او الى المقصد وهذا الفرار توبة خاصّة اى التّوبة الى الله وهذه التّوبة لا تتصوّر الاّ على يد نبىّ (ص) وتكون اسلاميّة، او على يد ولىّ وتكون ايمانيّة، وللتّوبة الاسلاميّة الّتى يحصل بها الاسلام وكذا للتّوبة الايمانيّة الّتى يحصل بها الايمان شرائط وآدابٌ وعهودٌ ومواثيق كانت مقرّرة عندهم فقوله تعالى: { ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ }؛ خطاب لمن وقع فى سجن الطّبع يعنى اطلبوا ايّها الواقعون فى سجن الطّبع من ربّكم ستر عذرات الهوى وجيف الشّبه وموذيات الغضبات والشّهوات ما لم تجدوا فرصةً ومهرباً من السّجن، حتّى لا تفسد دماغكم بنتنها ولا تفسد فطرتكم الانسانيّة ثمّ فرّوا منه كلّما وجدتم فرصةّ ومهرباً ثمّ فرّوا الى الله بالتّوبة على ايدى خلفائه والبيعة معهم بشرائطها اذا وصلتم اليهم فان تبتم اليه بشرائطها { يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً } ما دمتم فى الطّريق { إِلَىٰ أَجَلٍ } وقتٍ { مُّسَمًّى } معيّن لخروجكم من الدّنيا ووصولكم الى موطنكم بالموت الاخيتارىّ او الاضطرارىّ { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ } فى الطّريق بكثرة المجاهدة وكثرة جنوده الآلهيّة فى مملكته { فَضْلَهُ } عين فضله لانّ الفضل يتصوّر بصور حسناء خصوصاً على ما قلنا من انّ الفضل لذى الفضل هو كثرة الجنود الآلهيّة او على القول بتجسّم الاعمال او جزاء فضله كما فسّره المفسّرون { وَإِن تَوَلَّوْاْ } تتولّوا عن عبادة الله والاستغفار والتّوبة { فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } يوم القيامة الكبرى.