خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ
٢٣
-يوسف

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ } راود ذهب وجاء لطلب شيءٍ ولتضمين معنى الطّلب والسّؤال عدّاه بعن والمقصود تشبيه ملاطفاتها له وفتح ابواب الرّغبة عليه، وانّه كلّما سدّ باباً من ابواب ترغيبها فتحت باباً آخر بالمراودة الصّوريّة، والتّعليق على الموصول للاشعار بكمال قوّتها فى المراودة وعدم عذرٍ له من جهة الاسباب الصّوريّة وارتفاع حجاب الحياء بكثرة المعاشرة ولذلك عقّبه بقوله { وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ } حتّى يكون تعفّفه فى تلك الحال دالاً على كمال قوّته الآلهيّة وتسلّطه على قواه النّفسانيّة، والتّضعيف للتّكثير فانّ الابواب كما نقل كانت سبعةً وكانا فى البيت السّابع. وقد ذكر فى التّواريخ انّها كانت تعشق يوسف (ع) وهو فى بيتها سبع سنين وكانت تكتم عشقها ولا يعلمه الاّ الله وما اظهرتها على يوسف (ع) ايضاً حتّى ذاب جسمها واصفّر لونها واغورّت عيناها وكانت لها امرأة مربّية كانت صاحبة اسرارها، فسألتها عن حالها فأظهرت حال عشقها وانّ يوسف (ع) لا يلتفت اليها ولا ينظر اليها كلّما تزيّنت له، فأشارت اليها ان تبنى قباباً متزيّنة بأنواع الجواهر وان تنقش فى جوانب كلّ قبّة صورتها وصورة حبيبها متعانقة وتجعل مسكن يوسف (ع) فيها وتظهر عشقها له لعلّه يرغب فيها بعد مشاهدة الصّور المنقوشة المرغّبة؛ ففعلت وأدخلت يوسف (ع) فى القبّة السّابعة وغلّقت الابواب لئلاّ يبقى له عذر فى عدم المخالطة معها. وقيل: انّها بنت قبّة نصبت فى سقفها وجميع جدرانها المرائى بحيث اذا أدخلت يوسف (ع) فيها لا تنظر الى شيءٍ الاّ تشاهد صورة يوسف (ع) ولا ينظر يوسف (ع) الى طرفٍ الاّ يرى صورتها، وذلك انّها كلّما الحّت ودبّرت ان ينظر يوسف (ع) الى صورتها لعلّه يرغب فيها كان لا ينظر اليها فدبّرت ذلك لعلّه يرى صورتها ويرغب فيها وايضاً لغاية محبّتها كانت لا تريد النّظر الاّ الى جمال يوسف (ع) { وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } اسم فعل بمعنى أقبل او بمعنى تهيّئت واللاّم لتبيين الفاعل او المفعول وقرئ هيت بضمّ التّاء وهيت بكسرها مثل حيث وجير، وقرئ هيت بكسر الهاء وفتح التّاء، وهئت مثل جئت بضمّ التّاء فعل ماض بمعنى تهيّئت { قَالَ } فى جوابها اعتذاراً من عدم اجابتها مستعيذاً بالله خوفاً من ان يفتتن بصحبتها { مَعَاذَ ٱللَّهِ } عذت بالله معاذاً ولمّا كان فى الاستعاذة اشعار بعدم الاجابة علّله بقوله { إِنَّهُ رَبِّيۤ } انّ العزيز سيّدى اشترانى بثمنٍ غالٍ لا يليق بى الخيانة بأهله وحريمه، او انّ الله ربّى ربّانى من اوّل استقرار نطفتى ومادّة بدنى فى رحم امّى فلا ينبغى مخالفته فيما نهى عنه { أَحْسَنَ مَثْوَايَ } اظهر وصفاً آخر مقتضياً لقبح الخيانة، ونسبة الاحسان الى المثوى كناية عن اكثار الانعام ووفور الاحسان، ومن أساء الى المحسن فهو ظالم والظّالم لا ينجو من العذاب الاليم { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } ذكر فى الاعتذار ثلاثة اشياء: الرّبوبيّة وكثرة الاحسان وكون الخيانة ظلماً خصوصاً مع المنعم مع عدم فلاح الظّالم تعريضاً بنصحها وردعها عمّا أرادات.
بيان العشق ومراتبها ومراتب الحبّ
اعلم، انّه لا خلاف ولا شكّ فى انّ زليخا تعشّقت يوسف (ع) ولم يكن مراودتها عن محض شهوة حيوانيّة وسفاد قوّة بهيميّة كما قال من لا خبرة له بالحقائق الآلهيّة والصّفات الرّبوبيّة حيث نظر الى تهديدها له بالسّجن ورضاها بكونه فى السّجن، والحال انّ العاشق لا يمكنه تهديد المعشوق ويعدّ البلاء والملامة فيه من شعار عشقه ومستلذّات لوعته وموجبات ازدياد محبّته واشتعال شوقته، بل الخلاف فى انّ عشقها أكان سفليّاً صارفاً لها عن الجهة الانسانيّة العالية الآلهيّة داعياً لها الى الحيوانيّة البهيميّة المقتضية للسّفاح والفجور لانّ مراودتها كانت لذلك لدلالة هيت وقولها ولقد روادته فاستعصم وقولها لئن لم يفعل ما امره ليسجننّ وقول يوسف (ع) معاذ الله انّه ربّى احسن مثواى ام علويّاً صارفاً عن الجهة الحيوانيّة السّفليّة الى الانسانيّة العالية متقضياً لنزاهة النّفس عن الادناس والارجاس موجباً لقرب الحقّ الاوّل تعالى، لانّ تعشّقها ليوسف انتهى بها الى محبّة الله ومشاهدة جماله والاستغناء عن مشاهدة المظاهر فضلاً عن المواقعة والسّفاح كما ورد انّ يوسف (ع) افتتن بها وهى استغنت عنه بالله تعالى وتحقيق ذلك يستدعى تحقيق معنى العشق والمحبّة وبيان حقيقته ومراتبه؛ فنقول ومنه الاعانة والتّوفيق:
العشق من صفات الله العليا وبه دعمت السّماوات والارضون وهو الّذى ملأ اركان كلّ شيءٍ ولولاه لما كان ارض ولا سماء ولا ملك ولا ملكوت وهو يساوق الوجود، حقيقته حقيقة الحقّ الاوّل تعالى وهو باطلاقه غيب مطلق لا اسم له ولا رسم ولا خبر عنه ولا اثر ولذا قيل:

هرجه كويم عشق را شرح وبيان جون بعشق آيم خجل مانم ازان
عقل درشرحس جوخردر كل بخفت شرح عشق وعاشقى هم عشق كفت

لانّ العشق كالوجود لا يكتنه ولا يحاط لانّه عين الواقع وحاقّ التّحقّق فلو ادرك بالكنه لا نقلب الواقع ذهناً والواقعىّ ذهنيّاً. وايضاً حقيقة العشق المطلق كحقيقة الوجود المطلق منزّه عن ادراك الحسّ والخيال والعقل للزوم السّنخيّة بين المدرك والمدرك بل لزوم الاتّحاد بينهما ولا سنخيّة ولا اتّحاد بين المطلق والمقيّد ولذلك ورد هو مع كلّ شيءٍ، هو معكم اينما كنتم وهو حقيقة كلّ شيءٍ وهو بفعله كلّ الاشياء ولا شيء من الاشياء معه:

آنجاكه توئى جو من نباشد كس محرم اين سخن نباشد

وايضاً العشق المقيّد الّذى هو من اجلّ اوصاف الانسان وبه تميّزه عن سائر الحيوان وفى الحقيقة هو فعليّته وبه تحقّق انسانيّته لا يدرك حاله بالحال والقال ولا بالعقل والخيال لخروجه عن سلطان العقل فكيف بعقال الخيال، فانّه يقتضى الدّهشة والحيرة والاسترسال عن انتظام الحركات وتدبير الامور كالجنون والاختبال ولا يدرك العقل المقتضى للتدّبير وحفظ النّاموس حقيقة تلك الاحوال لتقيّده واسترسال العشق، ولهذا ظنّ العقلاء من الحكماء انّه جنون من اختلال فى الدّماغ او فساد فى المزاج وترقّى بعضهم لانّه لم يدرك له سبباً طبيعيّاً فقال: انّه جنون آلهىّ. فالعشق كالوجود مرتبة منه واجب الوجود وليس لاحدٍ الكلام فيه اذا بلغ الكلام الى الذّات فأمسكوا، ومرتبة منه العشق المطلق والحقّ المضاف الّذى به قوام كلّ شيءٍ وهو اضافة الحقّ تعالى الى الاشياء وهو حقيقة كلّ ذى حقيقة وبه معيّته وقيّوميّته وهو الظّاهر والباطن والاوّل والآخر وهو بكلّ شيءٍ محيط، وبه يقال بسيط الحقيقة كلّ الاشياء وليس شيئاً من الاشياء ولا يبقى معه شيءٍ وان كان هو مع كلّ شيءٍ. ومرتبة منه المجرّدات الصّرفة بسعتها وعدم نهايتها، ومرتبة منه النّفوس، ومرتبة منه الاشباح النّوريّة وعالم المثال وفيه جنان اصحاب اليمين، ومرتبة منه المادّيّات وعالم الطّبع وفيه التّكليف والتّرقّى الى عالم المجرّدات النّوريّة والتّنزّل الى عالم الارواح الخبيثة، ومرتبة منه عالم الارواح الخبيثة وفيه جحيم الاشقياء، وهناك يتمّ نزول العشق ومن هناك ابتداء الصّعود كما اشير اليه فى اخبارنا، بانّ الجنّ منهم مؤمنون اى متصاعدون عن مقام الارواح الخبيثة او ابتداء الصّعود من عالم الطّبع كما عليه معظم اهل النّظر والبيان، ولمّا كان عالم الطّبع مكتنفاً بالاعدام موصوفاً بالتّضادّ والتّعاند ملفوفاً بالغيبة والفقدان، بحيث لا يدرك منه اهل الحسّ والخيال العشق والمحبّة لكونهما مسبوقين بالعلم والحياة ولا يدركون منه حياة ولا شعوراً ما سمّوا ميل الطّبائع الى احيازها ولا عشقها لحفظ موادّها وصورها ولا ميل النّبات فى حركاتها ولا ميل الحيوان فى ارادتها عشقاً، بل فرّقوا بين مراتب الطّلبات فسمّوا طلب الاجرام الثّقال والخفاف لاحيازها عند الخروج عنها ميلاً، وعشق الجماد لبقاء صورته حفظاً، وعشق النّبات للنّمو وتوليد المثل تنمية وتوليداً، وطلبه للغذاء جذباً، وعشق الحيوان للغذاء والسّفاد شهوةً، وعشقها لاولادها من حيث انّه يشبه انس الانسان حبّاً، وسمّوا حبّ الانسان من حيث انّه انسان باعتبار مراتبه من الشّدّة والضّعف وباعتبار متعلّقه بالميل والشّهوة والحبّ والعشق والشّوق؛ فسمّوا اوّل مراتبه ميلاً، واذا اشتدّ بحيث يتمالك معه شهوة وحبّاً، واشدّ مراتبه بحيث لا يتمالك معه عشقاً، اذا كان الحبّ للمحبوب الموجود، واذا كان للمحبوب المفقود يسمّى شوقاً، وقد يطلق كلّ على كلّ. والحبّ على المعنى الاعمّ وعلى مراتب عشق الحيوان والنّبات حقيقة او على سبيل المشاكلة، ويسمّى عشق الانسان من حيث نفسه الحيوانيّة بالهوى والشّهوة، ويطلق الحبّ على جملة المراتب فيكون اعمّ من الكلّ، ولا شكّ انّ الهوى والشّهوة والميل والحبّ والشّوق الغير الشّديد من لوازم وجود الانسان ولا يمكن بقاء الشّخص ولا بقاء النّوع ولا عمارة الدّنيا والآخرة الاّ بها فهى من الكمالات المترتّبة عليها غايات ومصالح عديدة. وامّا العشق والشّوق اللّذان لا يتمالك معهما الانسان ولا يكونان الاّ متعلّقين بصور الحسان وقد يتعلّقان باصوات القيان وتناسب الالحان فقد اختلف كلمات اصحاب البيان وارباب الذّوق والوجدان فى انّهما من الخصائل ام من الرّذائل؟ فقال اكثر العقلاء: انّ العشق رذيلة مستلزمة لرذائل كثيرة واوصاف مذمومة مثل البطالة فى الدّنيا والقلق والدّهشة وسهر اللّيالى واصفرار اللّون واغورار العين وخروج الحركات من ميزان العقل، ولذا قيل: انّه جنون آلهىّ او مرض سوداوىّ وجنون حيوانىّ وعدم الانتزاع بالنّصح والرّدع بل اشتداده به كما قال المولوىّ:

سخت ترشد بند من ازيند تو عشق را نشناخت دانشمند تو

وعدم الخوف من التّخويف بالحبس والقتل كما قال ايضاً:

تومكن تهديدم از كشتن كه من تشنه زارم بخون خويشتن
كر بريزد خون من آن دوست رو ابى كوبان جان برافشانم براو

والوحشة من ابناء النّوع وطلب العزلة والخلوة عنهم وجعل الهموم مقصورة على لقاء المعشوق نافراً عن كلّ شغلٍ سواه ولو فى ترك العبادات والاعمال المعاديّة كما قال ايضاً:

غير مشعوق ار تماشائى بود عشق نبود هرزه سودائى بود
عشق آن شعله است كوجون برفروخت هرجه جز معشوق باقى جمله سوخت

واقتضاؤه فى بعض الاحيان للفجور واشتداد الشّهوة الحيوانيّة بحيث لا يتمالك عنه ويدخل فيما منعه الشّارع، وهذا كلّه من الرّذائل والمناهى الشّرعيّة التّحريميّة او التّنزيهيّة، وقال بعض اهل النّظر وجملة العرفاء والصّوفيّة: انّه من حيث هو من الفضائل النّفسانيّة وان صار بالنّسبة الى من غلب عليه البهيميّة رذيلة بالعرض بالنّسبة الى من هو مشغول بالله صارفاً عن الاشرف الى الاخسّ.
وتحقيق الحقّ فى ذلك ان نقول: شرافة الاوصاف امّا بشرافة مابديها او محالّها او بشرافة لوازمها او متعلّقاتها او غاياتها؛ والكلّ مجموعة فى عشق الانسان للصّور الحسان والحان القيان وتخلّف البعض فى بعض الاحيان بعارض لا ينافى الاقتضاء الّذاتىّ لو لم يعارضه عارض، فانّ مبدأه القريب لطافة النّفس ودقّة الادراك ورقّة القلب، ولذا ترى النّفوس الغليظة والقلوب الجافية منه خالية كالاكراد الّذين لا يعرفون منه الاّ السّفاد ومبدأه البعيد هو الله بتوسّط المبادى العالية باعداد الابصار او السّماع واستحسان شمائل المعشوق، فانّ عشق كلّ عاشق ظلّ ومعلول لعشق الاوّل تعالى لا كمعلوليّة الاوصاف القهريّة له تعالى فانّها معلولة له بالعرض او بتوسّط المبادى القهريّة، فانّ كمال الوجود من حيث هو وجود ينتهى الى الوجوب ومحلّ تحقيقه الحكمة العالية ولا شكّ فى شرافة ذلك كلّه ومحلّه النّفس الانسانيّة الّتى هى الصّراط المستقيم الى كلّ خير وهى الجسر الممدود بين الجنّة والنّار وهى الكتاب الّذى كتبه الرّحمن بيده، ومن لوازمه جعل الهموم همّاً واحداً وكفى العشق فضلاً ان يجعل الهموم هماً واحداً وقد قال المولوىّ قدّس سرّه:

عقل تو قسمت شده برصد سهم بر هزاران آرزو وطمّ ورمٌ
جمع بايد كرد اجزا را بعشق تاشوى خوش جون سمرقند ودمشق

وطهارة النّفس عن جملة الرّذائل كما قال ايضاً:

هركه را جامه زعشقى جاك شد او زحرص وعيب كلى باك شد
شاد باش اى عشق خوش سوداى ما واى طبيب جمله علّتهاى ما
اى دواى نخوت و ناموس ما اى تو افلاطون وجالينوس ما

فانّه لا يبقى للعاشق المفتون دواعى الغضب ولا الشّهوة ولذا قيل: العشق يحرق الشّهوة لا انّه يوقدها وما يرى من هيجان الشّهوة فى بعض فانّما هى لبقاء النّفس البهيميّة وغلبتها على النّفس الانسانيّة، او لسعة النّفس الانسانيّة واخذ البهيميّة من العشق حظّها، وقد علمت انّ حظّ البهيميّة من العشق هو قضاء الشّهوة، ومنها رقّة القلب فى كلّ حال والتّواضع لكلّ احد ولا سيّما المنسوب الى المعشوق والقرب من عالم المجرّدات والتّشبّه بالملائكة ولذلك ورد: من عشق وعفّ وكتم ومات مات شهيداً؛ وقد قال المولوىّ بلسانه:

خونبهاى من جمال ذو الجلال خونبهاى خودخورم كسب حلال

ومنها الزّهد الحقيقىّ فى الدّنيا بلا تكلّفٍ ولا تعبٍ فى الاتّصاف به:

عاشقان رابا سرو سامان جه كار بازن وفرزندو خان ومان جه كار

والرّغبة فى الآخرة وطلب الخلاص من سجن الدّنيا:

عاشقان را هو زمانى مردنيست مردن عشّاق خوديك نوع نيست
او دوصد جان دارد از نور هدى وان دو صد راميكند هردم فدا

ومتعلّقه بحسب الظّاهر هو الا وجه الحسان باعداد الابصار او السّماع ونغم الالحان باعداد السّماع فقط، وقد يكون تعلّق العشق بالاوجه الحسان باعداد غلبة الشّهوة مع النّظر او السّماع، وشرف حسن الصّورة ثابت بالكتاب والسّنّة والعقل والفطرة والمنكر له خارج عن الكلّ ومن لا يميّز بين الصّور الحسان وغيرها ليس بانسان، ودقيق النّظر يقتضى ان يكون متعلّق العشق امراً غيبيّاً متجلّياً على العاشق من مرآة جمال المعشوق، ولمّا كان ازدياد حسن الصّورة وبهاؤها دليلاً على ازدياد حسن السّيرة وصفاء النّفس وكان ازدياد صفاء النّفس موجباً لاشتداد تجلّى ذلك الامر الغيبىّ، فكلّما كانت الصّورة احسن كان تجلّى الامر الغيبىّ اشدّ وبحسب اشتداده يشتدّ العشق، وممّا يدلّ على انّ متعلّق العشق هو الامر الغيبىّ لا الحسن البشرىّ فقط انّه لو كان المعشوق امراً جسمانياً لانطفى حرارة شوقه وانسلى من حرقة فرقته عند الوصول الى معشوقه والحال انّ العاشق اذا وصل الى المعشوق وحصل له الاتّصال الجسمانىّ ازداد حرقته واشتدّ لوعته كما قيل:

اعانقها والنّفس بعد مشوقة اليها فهل بعد العناق تدانى
والثم فاها كى يزول حرارتى فيزداد ما يبقى من الهيجان

وانّه لو حصل للعاشق اتّصالٌ ملكوتىٌّ بالمعشوق لتسلّى عن صورته الجسمانيّة كما نقل عن المجنون العامرىّ انّه وقفت على رأسه ليلى العامريّة فقالت: يا مجنون انا ليلاك فلم يلتفت اليها وقال: لى منك ما يغنينى، وقد قال المولوىّ قدّس سرّه برهانا على هذا المطلب:

آنجه معشوقست صورت نيست آن خواه عشق اين جهان خواه آن جهان
آنجه بر صورت تو عاشق كشته جون برون شد جان جرايش هشته
صورتش برجاست ابن زشتى زجيست عاشقا وايين كه مشعوق توكيست
آنجه محسوس است اكرمعشوقه است عاشق استى هركه او را حسّ هست
جون وفا آن عشق افزون ميكند كى وفا صورت دكركون ميكند

وغايته قد علم انّها التّجرّد من مقتضيات الشّهوة والغضب ومن ادناس الدّنيا والتّعلّق بالآخرة بل بالله ولا شرف اشرف منها، فعلم انّ المحبّة الّشديدة للاوجه الحسان من الخصائل الشّريفة وقد يعرضها ما تصير بسببه مذمومة كتعشّق المقرّبين وافتتانهم بالصّور الملاح او السّماع، فانّ هذا العشق من اوصاف الاواسط واصحاب اليمين وهو سيّئةٌ بالنّسبة الى المقرّبين. وقد نقل عن بعض الكمّلين من المشايخ افتتانهم بالسّماع او الاوجه الحسان، ومثل تعشّق من اشتدّ بتعشّقه نار الشّهوة سواء كان نفسه البهيميّة غالبة على نفسه الانسانيّة او مغلوبة، فانّه بسبب اشتداد الشّهوة واقتضاء الفجور يصير مذموماً عقلاً وذوقاً وحراماً شرعاً. ولمّا كان عشق اكثر الخلق مورثاً لاشتعال نار الشّهوة ومؤدّياً بهم الى الفجور ورد النّهى عن النّظر الى الامارد والتّشبّب بالاجانبة وذمّ اهل الّذوق ذلك كما قال المولوىّ:

عشقهائى كز يى رنكى بود عشق نبود عاقبت ننكى بود

ولا يوجد آثار العشق الممدوح فى ذلك بل هو من توابع الشّره المذموم، وعشق زليخا وان كانت البهيميّة اخذت منه حظّها واستدعت الفجور كما يدلّ عليه ظواهر الآيات والاخبار، لكنّ الانسانيّة كانت غالبة والعشق نشأ منها والبهيميّة اخذت حظّاً منه تبعاً ولذا كانت كاتمة له سبع سنين وانتهى العشق بها الى الانسلاخ ممّا كنت مقيّدة به من الافتتان بصورة يوسف (ع) والى الافتتان بالمعشوق والحقيقىّ فارّة من المعشوق المجازىّ.