خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ
٢٤
-يوسف

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

بيان البرهان الّذى رآه يوسف (ع)
{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ } بمخالطته وقصدت الفجور { وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } همّ بها فى المعنى جزاء للولا كأنّه قال: لولا ان رآى برهان ربّه لهمّ بها يعنى انّ ترك الهمّة منه كان مسبّباً عن رؤية برهان الرّبّ لا عن امرٍ آخر من عننٍ وضعفٍ او مانعٍ، وتقديم الجزاء لايهام تحقّق الهمّة اشعاراً بقوّة المقتضى من حيث بشريّته وعدم المانع من قبلها بل شدّة الاقتضاء منها وعدم مانع آخر لكونهما فى بيتٍ خالٍ من الاغيار وعدم احتمال دخول النّظّار وهذا غاية المدح له (ع) وقيل: الكلام ليس على تقدير التّقديم والتّأخير والمعنى وهمّ بها لولا ان رآى برهان ربّه لعزم على المخالطة او لفعل، لكنّ الهمّة عبارة عن الشّهوة الفطريّة والرّغبة الاضطراريّة والخطرة القلبيّة الّتى لا مدخليّة للاختيار فيها وهو بعيد عن مفهوم الهمّة لغة وعرفاً، فان المتبادر من الهمّة هيجان النّفس للفعل بعد تصوّره والرّغبة فيه اختياراً وهو بعيد عن عصمة الانبياء وحرمتهم (ع). وورد فى الاخبار ما يشعر بعدم تقدير التّأخير لكن فرّق بين الهمّتين وانّ المعنى ولقد همّت بمخالطته وهمّ بالفرار او بقتلها لو الجأتها او بدفعها او بوعظها لولا ان رأى برهان ربّه لهمّ بمخالطتها بحسب بشريّته. وقالت جماعة من المعترفين بجواز الخطاء على الانبياء (ع): انّه همّ بمخالطتها وقالوا ما لا يليق بادنى عبدٍ من عباد الله ممّا لا ينبغى ذكره. ونسبوا الى الباقر (ع) انّه نقل عن امير المؤمنين (ع) انّه همّ ان يحلّ التّكّة، وذكر انّ يوسف (ع) حين قال اظهاراً لطهارته ذلك ليعلم انّى لم اخنه بالغيب نزل جبرئيل (ع) وقال: ولا حين هممت يا يوسف؟ فقال يوسف (ع) وما ابرّئ نفسى انّ النّفس لامّارة بالسّوء، وحاشا مقام النّبوّة عن التّلوّث بامثال هذه الخطايا، والعجب انّهم يذكرون انّ الله تعالى أخذ يوسف (ع) حين قال: ربّ السّجن احبّ الىّ، بالسّجن بسبب توجّهه الى السّجن وغفلته عن العصمة واخذه (ع) حين قال اذكرنى عند ربّك، بتوسّله الى المخلوق باللبّث فى السّجن بضع سنين ولم يذكروا انّه تعالى أخذه بتلك المعصية العظيمة كأنّهم سفّهوا الحقّ تعالى بالمؤاخذة على الالتفات الى الغير فى محضر حضوره وعدم المؤاخذة على المخالفة وارتكاب معصية عظيمة فى حضوره بل ذكروا انّ الآية فى مدحه (ع) بطهارة ذيله، ولو كانت كما ذكروها لكانت غاية الذّمّ له (ع)، وقد ذكر انّ كلّ من كان له ارتباط بتلك الواقعة شهد بطهارته وهم اغمضوا عن ذلك ونسبوه الى التّلوّث، فانّ الله تعالى قال كذلك لنصرف عنه السّوء والفحشاء، والعزيز قال انّه من كيدكنّ والشّاهد الصّبىّ قال: ان كان قميصه قدّ من قبل الى الآخر والنّسوة قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوءٍ وزليخا قالت الآن حصحص الحق انا راودته عن نفسه وانّه لمن الصّادقين وابليس قال:
{ { وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } [الحجر:39] وقد كان بنصّ الآية من المخلصين.
والمراد بالبرهان هو السّكينة الّتى كانت تنزل على الانبياء (ع) والمؤمنين وبها كانت نصرتهم على الاعداء فى العالم الكبير والصّغير، وقد مضى انّها تجلّى ملكوت الشّيخ على صدر السّالك وانّها الاسم الاعظم الّذى يفرّ منه الشّيطان، وقد كان شيخ يوسف (ع) الّذى تاب على يده وبايعه البيعتين اباه يعقوب (ع)، وبرهان الرّبّ هو صورته الملكوتيّة النّازلة على صدره، وذكر الرّؤية يشعر بها وفى الاخبار ما يدلّ عليه نصّاً او اشعاراً، واختلاف الاخبار فى تفسير البرهان يمكن رفعه بما ذكر، فقد ورد انّ البرهان كان جبرئيل (ع) لانّه نزل حين همّتها وقال: يا يوسف (ع) اسمك فى الانبياء مكتوب فلا يكوننّ عملك عمل الفجّار، وورد انّه رأى صورة يعقوب (ع)، ونقل انّه رأى يداً بينه وبين زليخا، وفى اخبارنا انّ البرهان ما قاله لها حين سترت الصّنم: انت تستحيين من صنمٍ لا يبصر ولا يسمع وانا لا استحيى ممّن خلق الانسان وعلّمه؟! ونقل انّ البرهان اسم ملك او انّ طيراً ظهر عليه او انّ حوراء من حور الجنّة ظهرت عليه او انّه ايّد بالنّبوّة حين مراودتها، وقد قيل فيه اشياء اخر لا ينبغى ذكرها، والحقّ انّ البرهان هو ما ذكرنا انّه لغاية الانزجار عن مراودتها والدّهشة عن محادثتها انسلخ عن البشريّة واتّصل بعالم الملكوت وفاز بشهود الملكوت وانوارها واستلذّ بجمال شيخه بحيث لم يبق له حالة توجّه والتفات الى زليخا ومحادثتها، وما ورد فى الاخبار من انكار ظهور يعقوب (ع) او جبرئيل (ع) او غيرهما فانّما هو باعتبار ما يذكره العامّة من انّه ظهر حين اراد يوسف (ع) الفجور ومنعه عن الفجور فالانكار فى الحقيقة راجع الى ما يستفاد من قولهم من الاشعار بهمّة يوسف (ع) للفجور { كَذَلِكَ } امّا متعلّق بقوله تعالى همّ بها اى همّ بها مثل همّها به، وتخلّل لولا ان رأى بينهما لئلاّ يتوهّم تحقّق همّه مثل همّها وانقطاع لولا ان رأى عمّا قبله وقوله { لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ } جواب سؤالٍ بتقدير اريناه وهذا اوفق بما ورد من تفاسير ائمّتنا (ع) من جعل همّ بها جزاء للولا فى المعنى او هو مع عامله المحذوف جملة مستقلّة ولنصرف متعلّق به اى كذلك عصمناه لنصرف عنه الّسوء اى الخيانة فى حقّ من اكرم مثواه والفحشاء اى الزّنا { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } فى موضع التّعليل وقرئ بفتح اللاّم وكسرها.